للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ عِنْدَهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالرُّسُلِ، كَانَ الْعِلْمُ بِجَوَازِ إرْسَالِ الرُّسُلِ سَابِقًا عَلَى الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ، فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِمَا يَتَأَخَّرُ عِلْمُهُ عَلَى مَا يَتَقَدَّمُ عِلْمُهُ، وَمِنْ حَقِّ الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْمَدْلُولِ حَيْثُ جُعِلَ دَلِيلًا عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ مِمَّنْ يُسَوِّغُ التَّكْلِيفُ الْعَقْلِيُّ فَذَاكَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ يَرْجِعُ إلَى صِفَاتٍ تَقُومُ بِالْأَفْعَالِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى ثُبُوتِ الْكَلَامِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ هَذَا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَوْلَهُمْ: وُرُودُ التَّكْلِيفِ دَالٌّ عَلَى عِلْمِهِ، وَعِلْمُهُ دَالٌّ عَلَى ثُبُوتِ الْمُصَدَّقِ، إذْ الْعَالِمُ بِالشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْ نُطْقِ النَّفْسِ بِمَا يَعْلَمُهُ، وَذَلِكَ هُوَ التَّدْبِيرُ وَالْخَبَرُ، فَقَدْ جَعَلُوا الْعِلْمَ مُسْتَلْزِمًا لِلْكَلَامِ بِنَوْعَيْهِ الْخَبَرُ وَالصِّدْقُ وَالتَّدْبِيرُ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ، وَهَذَا إلَى التَّحْقِيقِ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْعِلْمِ وَالْكَذِبِ النَّفْسَانِيِّ، فَإِنْ قِيلَ لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ بِإِثْبَاتِهِ تَارَةً وَجَعْلِهِ كَلَامًا مُحَقَّقًا وَنَفْيِهِ أُخْرَى وَنَفْيِ تَسْمِيَتِهِ كَلَامًا مُحَقَّقًا إذَا قُدِّرَ وُجُودُهُ، لَكِنَّ التَّنَاقُضَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَقَدْ يَكُونُ الْبَاطِلُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ اسْتِلْزَامِ الْعِلْمِ لِلصِّدْقِ النَّفْسَانِيِّ وَمُنَافَاتِهِ لِلْكَذِبِ دُونَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا وَعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ لِلصِّدْقِ،

[الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ إنَّ هَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ إثْبَاتَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ]

قِيلَ تَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا وَهُوَ.

الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: إنَّ هَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ إثْبَاتَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ، وَإِذَا فَسَدَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ إثْبَاتُ الْكَلَامِ لَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا بَلْ لَمْ يَنْفَعْهُمْ إثْبَاتُ كَلَامٍ لَمْ يَعْلَمُوا وُجُودَهُ إلَّا وَهُوَ كَذِبٌ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا الْخَبَرَ النَّفْسَانِيَّ إلَّا بِتَقْدِيرِ الْخَبَرِ الْكَذِبِ، فَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا وُجُودَ خَبَرٍ نَفْسَانِيٍّ إلَّا مَا كَانَ كَذِبًا.

فَإِنْ أَثْبَتُوا لِلَّهِ ذَلِكَ كَانَ كُفْرًا بَاطِلًا خِلَافَ مَقْصُودِهِمْ وَخِلَافَ إجْمَاعِ الْخَلَائِقِ إذْ أَحَدٌ لَا يُثْبِتُ لِلَّهِ كَلَامًا لَازِمًا لِذَاتِهِ هُوَ كَذِبٌ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَرِيقٌ إلَى إثْبَاتِ الْخَبَرِ النَّفْسَانِيِّ بِحَالٍ. لِأَنَّا حِينَئِذٍ لَمْ نَعْلَمْ وُجُودَ مَعْنًى نَفْسَانِيٍّ صِدْقًا غَيْرَ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ لَا شَاهِدًا وَلَا غَائِبًا فَإِنَّ خَبَرَ اللَّهِ لَا يَنْفَعُك عَنْ الْعِلْمِ، وَإِذَا امْتَنَعَ إثْبَاتُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْخَبَرِ امْتَنَعَ حِينَئِذٍ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ صِدْقًا، فَإِنَّ ثُبُوتِ الصِّفَةِ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ مُحَالٌ، فَعُلِمَ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الَّتِي سَلَكُوهَا فِي إثْبَاتِ صِدْقِ الْخَبَرِ يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ إثْبَاتَ أَصْلِ الْخَبَرِ النَّفْسَانِيِّ، فَلَا يَثْبُتُ حِينَئِذٍ لَا خَبَرٌ نَفْسَانِيٌّ وَلَا صِدْقُهُ، وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكُوهَا فِي إثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهَا لَوْ قُدِّرَ صِحَّتُهَا خَبَرٌ هُوَ كَذِبٌ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>