فَإِذَا كَانَ النَّذْرُ الَّذِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى بِهِ إلَّا مَا كَانَ طَاعَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى مِنْهُ بِمُبَاحٍ، كَمَا لَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى مِنْهُ بِمُحَرَّمٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ: كَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. فَكَيْفَ بِغَيْرِ النَّذْرِ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَيْسَ فِي لُزُومِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا فِي النَّذْرِ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ إهْدَاءِ ثَوَابِ التِّلَاوَةِ، فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى إهْدَاءِ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ: كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةَ يَجُوزُ إهْدَاءُ ثَوَابِهَا بِلَا نِزَاعٍ، وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ.
فَمَنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْدَاءُ ثَوَابِهَا: كَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ بَاطِلًا، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَنْ الْوَاقِفِ دُيُونَهُ فَإِنَّهُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] . وَمَنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يُجَوِّزُ إهْدَاءَ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ؛ كَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَهَذَا يَعْتَبِرُ أَمْرًا آخَرَ. وَهُوَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا قُصِدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَمَّا مَا يَقَعُ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْبَةً فَإِنْ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ وَالْجُعْلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، نَقُولُ.
[مَسْأَلَةٌ وَقَفَ مَدْرَسَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَشَرَطَ عَلَى أَهْلِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهَا]
٨٦٠ - ١٩ مَسْأَلَةٌ:
فِيمَنْ وَقَفَ مَدْرَسَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَشَرَطَ عَلَى أَهْلِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُنْزَلِينَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى دُونَهَا. وَيَتَنَاوَلُونَ مَا قُرِّرَ لَهُمْ؟ أَمْ لَا يَحِلُّ التَّنَاوُلُ إلَّا بِفِعْلِ هَذَا الشَّرْطِ.
الْجَوَابُ: لَيْسَ هَذَا شَرْطًا صَحِيحًا يَقِفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعَيْنِهَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَدِلَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute