للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا]

} [البقرة: ٢٣١] وَمِنْ آيَاتِ اللَّهِ شَرَائِعُ دِينِهِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْخُلْعِ؛ لِأَنَّهَا الطَّرِيقُ الَّتِي يَحِلُّ بِهَا الْحَرَامُ مِنْ الْفُرُوجِ أَوْ يَحْرُمُ بِهَا الْحَلَالُ، وَهِيَ مِنْ دِينِ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ، وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ آيَاتِهِ، وَالْعُقُودُ دَلَائِلٌ عَلَى الْأَحْكَامِ الْحَاصِلَةِ بِهَا، وَذِكْرُهُ هَذِهِ الْآيَةَ بَعْدَ أَنْ أَبَاحَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْآيَاتِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهَا عَقِيبَ ذَلِكَ مُنَاسِبًا، وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ

أَنَّهُ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِهِ طَلَّقْتُك رَاجَعْتُك طَلَّقْتُك رَاجَعْتُك» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ بَطَّةَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «خَلَعْتُك رَاجَعْتُك طَلَّقْتُك رَاجَعْتُك» .

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ آيَاتِهِ، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ آيَاتِهِ فَاِتِّخَاذُهَا هُزُوًا فِعْلُهَا مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ حَقَائِقِهَا الَّتِي شُرِعَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ لَهَا، كَمَا أَنَّ اسْتِهْزَاءَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: ١٤] ، فَيَأْتُونَ بِكَلِمَةِ الْإِيمَانِ غَيْرَ مُعْتَقِدِينَ حَقِيقَتَهَا بَلْ مُظْهِرِينَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ، فَكُلُّ مَنْ أَتَى بِالرَّجْعَةِ غَيْرَ قَاصِدٍ بِهَا مَقْصُودَ النِّكَاحِ بَلْ الضِّرَارَ أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ أَتَى بِالنِّكَاحِ غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ مَقْصُودَ النِّكَاحِ بَلْ التَّحْلِيلَ وَنَحْوَهُ، فَقَدْ اتَّخَذَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، حَيْثُ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي تُوجِبُهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ مِنْ مَقْصُودِ النِّكَاحِ، كَالْمُنَافِقِ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ سَوَاءً فَذَاكَ نِفَاقٌ فِي أَصْلِ الدِّينِ وَهَذَا نِفَاقٌ فِي شَرَائِعِهِ فَإِنَّ قَوْلَ الْإِنْسَانِ آمَنَّا كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت هُوَ إخْبَارٌ عَمَّا فِي بَاطِنِهِ مِنْ الِاعْتِقَادِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّصْدِيقِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ إنْشَاءُ الْعَقْدِ لِلْإِيمَانِ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَبْتَدِئُ الدُّخُولَ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي بَاطِنِهِ مِنْ الِاعْتِقَادِ، إذْ لَا تَصْدِيقَ مَعَهُ وَلَا إرَادَةَ لَهُ وَلَا هُوَ دَاخِلٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَالنِّكَاحِ، بَلْ إنَّمَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ ذَلِكَ لِحُصُولِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مِنْ تَوَابِعِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ هُوَ صَادِقًا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ إنْشَاءٌ وَلَا مِنْ حَيْثُ هِيَ إخْبَارٌ.

وَذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] دَلِيلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>