وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمَغْرِبِ فَحِينَ انْتَهَى إلَى مَوْضِعِ الصَّفِّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَلَسَ.
وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَهَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّأْذِينُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْإِقَامَةُ كَالنِّدَاءِ بِالْأَذَانِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُنَادَى لِلْكُسُوفِ بِ " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ "، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ مُنَادِيًا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» .
وَلَا يُنَادَى لِلْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ وَلِهَذَا لَا يُشْرَعُ لِلْجِنَازَةِ وَلَا لِلتَّرَاوِيحِ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ، خِلَافًا لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُسُوفِ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَوْلَادِ مَنْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ الْأَذَانَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ جَازَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا يُقَدَّمُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْأَذَانِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِكَوْنِ أَبِيهِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ.
وَأَمَّا مَا سِوَى التَّأْذِينِ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ تَسْبِيحٍ، وَتَشَهُّدٍ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِدُعَاءٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي الْمَآذِنِ، فَهَذَا لَيْسَ بِمَسْنُونٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ. بَلْ قَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ: أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَلَا حَدَثَ سَبَبٌ يَقْتَضِي إحْدَاثَهُ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي دَلَّتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ، وَلَا يُنْكِرَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ وَلَا يُعَلِّقَ اسْتِحْقَاقَ الرِّزْقِ بِهِ، وَإِنْ شَرَطَهُ وَاقِفٌ، وَإِذَا قِيلَ: إنَّ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَصْوَاتِ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهَا، فَنَقْتَصِرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَصْلَحَةُ دُونَ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ ضَرَرٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ الْمُؤَذِّنَ وَيَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ كُلُّ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وُجِدَ سَبَبُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَيُجِيبُ مُؤَذِّنًا ثَانِيًا، وَأَكْثَرَ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute