الْقَاعِدُ يُعِيدُ، قَالَ الْقَاضِي: مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى نَفْيِ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعُ مِنْ أَذَانِ الْجُنُبِ وَتَوَقَّفَ عَنْ الْإِعَادَةِ فِي بَعْضِهَا، وَصَرَّحَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي بَعْضِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَنْهُ رِوَايَةً بِالْإِعَادَةِ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ وَفِي إجْزَاءِ الْأَذَانِ مِنْ الْفَاسِقِ رِوَايَتَانِ أَقْوَاهُمَا عَدَمُهُ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْفَاسِقِ مُؤَذِّنًا فَلَا يَنْبَغِي قَوْلًا وَاحِدًا، وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يَسْتَخْرِجُ أَذَانَهُ لِلْبَالِغِ رِوَايَتَانِ كَشَهَادَتِهِ وَوَلَايَتِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَحْقِيقِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِهِ، وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ سِوَاهُ.
وَأَمَّا صِحَّةُ أَذَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَوْنُهُ جَائِزًا إذَا أَذَّنَ غَيْرُهُ، فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ إذَا كَانَ قَدْ رَاهَقَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ: وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْغُلَامِ يُؤَذِّنُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فَلَمْ يُعْجِبْهُ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَذَانَ الَّذِي يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَيُعْتَمَدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ صَبِيٌّ قَوْلًا، وَلَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ وَلَا يُعْتَمَدُ فِي مَوَاقِيتِ الْعِبَادَاتِ.
وَأَمَّا الْأَذَانُ الَّذِي يَكُونُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً فِي مِثْلِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الْمِصْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُوصَلَ الْأَذَانُ بِمَا قَبْلَهُ، مِثْلَ قَوْلِ بَعْضِ الْمُؤَذِّنِينَ قَبْلَ الْأَذَانِ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: ١١١] الْآيَةَ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْفَعَ فَمَه وَوَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ إذَا أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلَّذِي يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ الْوُضُوءِ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ.
وَكَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ بِالصَّلَاةِ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ التَّهْلِيلَ وَالتَّكْبِيرَ إعْلَانٌ بِذِكْرِ اللَّهِ لَا يَصْلُحُ إلَّا لَهُ، فَاسْتُحِبَّ الْإِشَارَةُ لَهُ كَمَا تُسْتَحَبُّ الْإِشَارَةُ بِالْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ فِي التَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ، هَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، إذْ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ خَفْضُ الطَّرْفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute