وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: بَلْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى خَصْمِهِ أَنَّ بِيَدِهِ عَقَارًا اسْتَغَلَّهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَعَيَّنَهُ وَإِنَّهُ اسْتَحَقَّهُ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِاسْتِيلَائِهِ لَا بِاسْتِحْقَاقِهِ لَزِمَ الْحَاكِمَ إثْبَاتُهُ وَالشَّهَادَةُ بِهِ، كَمَا يَلْزَمُ الْبَيِّنَةَ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّهُ كَفَرْعٍ مَعَ أَصْلٍ وَمَا لَزِمَ أَصْلًا الشَّهَادَةُ بِهِ لَزِمَ فَرْعَهُ حَيْثُ يُقْبَلُ، وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْ إعَانَةُ مُدَّعٍ بِإِثْبَاتٍ وَشَهَادَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ ثُمَّ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ أُمِرَ بِإِعْطَائِهِ مَا ادَّعَاهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَالٍ مَجْهُولٍ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. وَمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ فَادَّعَى رَجُلٌ بِثُبُوتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَانَ لِجَدِّهِ إلَى مَوْتِهِ ثُمَّ إلَى وَرَثَتِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُخَلَّفٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَيْنِ تَعَارَضَا وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسُكُوتِهِمْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَلَوْ فَتَحَ هَذَا الْبَابَ لَانْتُزِعَ كَثِيرٌ مِنْ عَقَارِ النَّاسِ بِهَذَا الطَّرِيقِ.
وَلَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِهِ إلَى حِينِ وَقْفِهِ وَأَقَامَ وَارِثٌ بَيِّنَةً أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ كَتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ أَبِيهِ عَلَى مَنْ شَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، قَالَ الْقَاضِي إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ فَقَالَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا وَلَمْ أَغْصِبْهُ فَهَلْ يَكُونُ جَوَابًا يَحْلِفُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ جَوَابٌ صَحِيحٌ يَحْلِفُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ يَحْلِفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصَبَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: إنَّمَا يُتَوَجَّهُ الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الْحَاكِمَ هَلْ يَلْزَمُهُ بِهَذَا الْجَوَابِ أَمْ لَا، وَأَمَّا صِحَّتُهُ فَلَا رَيْبَ فِيهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِجْمَالَ لَيْسَ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ قَدْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ أَوْ تَأْوِيلٌ وَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ فِي مَذْهَبِ الْحَاكِمِ، وَيَمِينُ الْمُدَّعِي بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ وَكَمَا لَا يَشْهَدُ بِتَأْوِيلٍ أَوْ جَهْلٍ وَمِنْ أَصْلِنَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيَّ ثُمَّ أَوْفَيْتُهُ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ فَقَدْ أَطْلَقَ أَحْمَدُ التَّعْدِيلَ لِي فِي مَوْضِعٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَأَلْت أَبِي عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيِّ فَقَالَ ثِقَةٌ، قَالَ دَاوُد لِأَحْمَدَ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ فَقَالَ ثِقَةٌ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَكُلُّ لَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ تَعْدِيلُ الشُّهُودِ مِثْلُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute