لُغَةَ الشَّارِعِ؛ أَوْ لَمْ تُوَافِقْهَا؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَلْفَاظِ دَلَالَتُهَا عَلَى مُرَادِ النَّاطِقِينَ بِهَا؛ فَنَحْنُ نَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ كَلَامِ الشَّارِعِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ لُغَتِهِ وَعُرْفِهِ وَعَادَتِهِ تَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِهِ، وَكَذَلِكَ فِي خِطَابِ كُلِّ أُمَّةٍ وَكُلِّ قَوْمٍ؛ فَإِذَا تَخَاطَبُوا بَيْنَهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَوْ الْوَقْفِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِكَلَامٍ رَجَعَ إلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِهِمْ وَإِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِمْ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي الْخِطَابِ؛ وَمَا يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ.
وَأَمَّا أَنْ تَحِلَّ نُصُوصُ الْوَاقِفِ أَوْ نُصُوصُ غَيْرِهِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا؛ فَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ إذْ لَا أَحَدَ يُطَاعُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ الْبَشَرِ - بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالشُّرُوطُ إنْ وَافَقَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ صَحِيحَةً. وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ بَاطِلَةً. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِهِ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» .
وَهَذَا الْكَلَامُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. سَوَاءٌ تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الشَّارِعِ أَوْ لَا؛ إذْ الْأَخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. أَوْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ عُمُومًا مَعْنَوِيًّا.
وَإِذَا كَانَتْ شُرُوطُ الْوَاقِفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ بِالِاتِّفَاقِ؛ فَإِنْ شَرَطَ فِعْلًا مُحَرَّمًا ظَهَرَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَإِنْ شَرَطَ مُبَاحًا لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَانَ أَيْضًا بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، لَا لَهُ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِالْإِعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
وَأَمَّا بَذْلُ الْمَالِ فِي مُبَاحٍ: فَهَذَا إذَا بَذَلَهُ فِي حَيَاتِهِ مِثْلَ الِابْتِيَاعِ؛ وَالِاسْتِئْجَارِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِتَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ فِي حَيَاتِهِ.
وَأَمَّا الْوَاقِفُ وَالْمُوصِي فَإِنَّهُمَا لَا يَنْتَفِعَانِ بِمَا يَفْعَلُ الْمُوصَى لَهُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُثَابَانِ عَلَى بَذْلِ الْمَالِ فِي ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، فَلَوْ بَذَلَ الْمَالَ فِي ذَلِكَ عَبَثًا وَسَفَهًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى تَنَاوُلِ الْمَالِ، فَكَيْفَ إذَا أُلْزِمَ بِمُبَاحٍ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute