مَجْرَى الْقَسَمِ وَالْيَمِينِ لِدُخُولِ وَاوِ الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ: وَالطَّلَاقُ وَالِالْتِزَامُ بِمَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِطَرِيقِهِ.
أَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا؛ أَوْ لَا أَفْعَلُهُ. أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي لَأَفْعَلَنَّهُ، أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فَالطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي. أَوْ لَازِمٌ، وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْتِزَامَ الطَّلَاقِ فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ: فَهَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَذَاهِبِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: كَالْقَفَّالِ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي صَاحِبِ " التَّتِمَّةِ " وَبِهِ يُفْتِي وَيَقْضِي فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ فِي بِلَادِ الشَّرْقِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَالْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَالْحِجَازِ، وَالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا.
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِهِ - كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ - كَانُوا يُفْتُونَ وَيَقْضُونَ فِي بِلَادِ فَارِسَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَبِلَادِ الْمَغْرِبِ إلَى الْيَوْمِ، فَإِنَّهُمْ خَلْقٌ عَظِيمٌ، وَفِيهِمْ قُضَاةٌ وَمُفْتُونَ عَدَدٌ كَثِيرٌ. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: كَطَاوُسٍ وَغَيْرِ طَاوُسٍ. وَبِهِ يُفْتِي كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَغْرِبِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِ مِصْرَ يُفْتِي بِذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ وَأُصُولُ مَذْهَبِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
وَلَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ، فَقَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ، فَكَانَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ يُفْتُونَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثَ؛ لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُوقِعُ بِهِ وَاحِدَةً، وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ فِي التَّنْجِيزِ؛ فَضْلًا عَنْ التَّعْلِيقِ وَالْيَمِينِ.
وَهَذَا قَوْلُ مَنْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد فِي التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ، وَالْحَلِفِ. وَمِنْ السَّلَفِ طَائِفَةٌ مِنْ أَعْيَانِهِمْ فَرَّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute