للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَلَّذِينَ لَمْ يُوقِعُوا طَلَاقًا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا: مِنْهُمْ مَنْ لَا يُوقِعُ بِهِ طَلَاقًا؛ وَلَا يَأْمُرُهُ بِكَفَّارَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْمُرُهُ بِكَفَّارَةٍ. وَبِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ بَسَطْتُ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَأَلْفَاظَهُمْ، وَمَنْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ وَالْكُتُبَ الْمَوْجُودُ ذَلِكَ فِيهَا؛ وَالْأَدِلَّةَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ تَبْلُغُ عِدَّةَ مُجَلَّدَاتٍ.

وَهَذَا بِخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ وَهُوَ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِصِيغَةِ اللُّزُومِ مِثْلُ قَوْلِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا النِّزَاعُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ مُنَجَّزًا، أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، أَوْ مَحْلُوفًا بِهِ: فَفِي الْمَذْهَبَيْنِ: هَلْ ذَلِكَ صَرِيحٌ؟ أَوْ كِنَايَةٌ؟ أَوْ لَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ قَوْلَانِ هَلْ ذَلِكَ صَرِيحٌ؛ أَوْ كِنَايَةٌ وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْ التَّعْلِيقِ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْحَلِفَ: فَالنِّزَاعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ هَذِهِ الصِّيغَةِ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَخَالَفَ كُلَّ قَوْلٍ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ؛ وَاقْتَفَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ؛ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] . بَلْ أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ مِثْلُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَنْ قَضَى بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ حُكْمِهِ.

وَمَنْ أَفْتَى بِهِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفُتْيَا سَاغَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَلَى مَنْ قَلَّدَهُ. وَلَوْ قَضَى أَوْ أَفْتَى بِقَوْلٍ سَائِغٍ يَخْرُجُ عَنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا ثَبَتَ فِيهِ النِّزَاعُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُخَالِفْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا مَعْنَى ذَلِكَ؛ بَلْ كَانَ الْقَاضِي بِهِ وَالْمُفْتِي بِهِ يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ - كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - فَإِنَّ هَذَا يُسَوَّغُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيُفْتِيَ بِهِ.

وَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ نَقْضُ حُكْمِهِ إذَا حَكَمَ، وَلَا مَنْعُهُ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ، وَلَا مِنْ الْفُتْيَا بِهِ، وَلَا مَنْعُ أَحَدٍ مِنْ تَقْلِيدِهِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَسُوغُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ بَلْ خَالَفَ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>