للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الصِّرَاطِ، وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنَقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ» . وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

وَمَا ذَكَرْنَا فِي أَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ الْخِطَابَ، وَيَصِلُ إلَيْهِمْ الثَّوَابُ، وَيُعَذَّبُونَ بِالنِّيَاحَةِ، بَلْ وَمَا لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ السَّائِلُ مِنْ عِقَابِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ يُكْشَفُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَبْنَاءِ زَمَانِنَا يَقَظَةً وَمَنَامًا، وَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَيَتَحَقَّقُونَهُ، وَعِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَمَا كُشِفَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ مَنْ هُوَ صَادِقٌ عِنْدَهُ، فَهَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ عِلْمِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الْإِيمَانُ بِغَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ التَّصْدِيقَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: ١٣٦] الْآيَةَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: ١٧٧] الْآيَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» . فَالْمُحَدِّثُ الْمُلْهَمُ الْمُكَاشِفُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَزِنَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ صَدَقَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَفَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ. كَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ سَيِّدُ الْمُحَدِّثِينَ إذَا أُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ، وَكَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْصُومًا، وَإِنَّمَا الْعِصْمَةُ لِلنُّبُوَّةِ.

وَلِهَذَا كَانَ الصِّدِّيقُ أَفْضَلَ مِنْ عُمَرَ، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ لَا يَتَلَقَّى مِنْ قَلْبِهِ، بَلْ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ مَعْصُومَةٌ، وَالْمُحَدِّثُ يَتَلَقَّى تَارَةً عَنْ قَلْبِهِ، وَتَارَةً عَنْ النُّبُوَّةِ، فَمَا تَلَقَّاهُ عَنْ النُّبُوَّةِ فَهُوَ مَعْصُومٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَمَا أُلْهِمَ فِي قَلْبِهِ: فَإِنْ وَافَقَ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ فَهُوَ حَقٌّ، وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ.

فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِدُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فِي مِثْلِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ إلَّا عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ شَوَاهِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>