وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس، كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ أَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَا مِنْ الْعَرَبِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، كَاخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمْ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يَمْنَعُ فِيهِ الرِّقَّ لِأَجْلِ النَّسَبِ، لَكِنْ لِأَجْلِ الدِّينِ فَإِذَا سَبَى عَرَبِيَّةً فَأَسْلَمَتْ اسْتَرَقَّهَا، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ أَجْبَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا يَحْمِلُونَ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَهُ مِنْ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ.
وَأَمَّا الرَّقِيقُ الْوَثَنِيُّ، فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عِنْدَهُمْ بِرِقٍّ، كَمَا يَجُوزُ بِجِزْيَةٍ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّحَابَةَ سَبَوْا الْعَرَبِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ وَوَطِئُوهُمْ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» . ثُمَّ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ وَطْءَ الْوَثَنِيَّةِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَرَقُّوهُمْ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ أَجْبَرُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِمْ، وَالرِّقُّ فِيهِ مِنْ الْغِلِّ مَا لَيْسَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ، وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ إذَا كَانَ صَحِيحًا صَرِيحًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ، فَإِنَّهُمْ سَبَوْا الْعَرَبَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُسْتَرَقَّ رِجَالُهُمْ، فَلَا يُضْرَبَ عَلَيْهِمْ رِقٌّ، كَمَا أَنَّ قُرَيْشًا أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، فَلَمْ يُضْرَبْ عَلَيْهِمْ رِقٌّ، لِأَجْلِ إسْلَامِهِمْ لَا لِأَجْلِ النَّسَبِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الصَّحَابَةُ مِنْ سَبْيِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، كَمَا تَمَكَّنُوا مِنْ سَبْيِ نِسَاءِ طَوَائِفَ مِنْ الْعَرَبِ، وَلِهَذَا لَمْ يُسْتَرَقَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنْ سَبْيِهِمْ شَيْءٌ.
وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَ الْعَرَبِيُّ مَمْلُوكَةً، فَنِكَاحُ الْحُرِّ لِلْمَمْلُوكَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: خَوْفِ الْعَنَتِ، وَعَدَمِ الطَّوْلِ إلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعَلَّلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute