بِحَيْثُ يَتَحَرَّى النَّاسُ فِيهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فِي الْأَئِمَّةِ: يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» . فَخَطَؤُهُ وَتَفْرِيطُهُ عَلَيْهِ، لَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يُفَرِّطُوا، وَلَمْ يُخْطِئُوا.
وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى حِسَابِ النُّجُومِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ، وَلَا نَحْسُبُ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» .
وَالْمُعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ فِي الْهِلَالِ، كَمَا أَنَّهُ ضَالٌّ فِي الشَّرِيعَةِ، مُبْتَدِعٌ فِي الدِّينِ، فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي الْعَقْلِ وَعِلْمِ الْحِسَابِ. فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ بِالْهَيْئَةِ يَعْرِفُونَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْضَبِطُ بِأَمْرٍ حِسَابِيٍّ، وَإِنَّمَا غَايَةُ الْحِسَابِ مِنْهُمْ إذَا عَدَلَ أَنْ يَعْرِفَ كَمْ بَيْنَ الْهِلَالِ وَالشَّمْسِ مِنْ دَرَجَةِ وَقْتِ الْغُرُوبِ مَثَلًا؛ لَكِنْ الرُّؤْيَةُ لَيْسَتْ مَضْبُوطَةً بِدَرَجَاتٍ مَحْدُودَةٍ، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حِدَةِ النَّظَرِ وَكَلَالِهِ، وَارْتِفَاعِ الْمَكَانِ الَّذِي يَتَرَاءَى فِيهِ الْهِلَالُ، وَانْخِفَاضِهِ، وَبِاخْتِلَافِ صَفَاءِ الْجَوِّ وَكَدَرِهِ. وَقَدْ يَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ لِثَمَانِي دَرَجَاتٍ، وَآخَرُ لَا يَرَاهُ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ دَرَجَةً؛ وَلِهَذَا تَنَازَعَ أَهْلُ الْحِسَابِ فِي قَوْسِ الرُّؤْيَةِ تَنَازُعًا مُضْطَرِبًا، وَأَئِمَّتُهُمْ: كَبَطْلَيْمُوسَ، لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ بِحَرْفٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ حِسَابِيٌّ.
وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ، مِثْلُ كوشياز الدَّيْلَمِيِّ، وَأَمْثَالِهِ. لَمَّا رَأَوْا الشَّرِيعَةَ عَلَّقَتْ الْأَحْكَامَ بِالْهِلَالِ، فَرَأَوْا الْحِسَابَ طَرِيقًا تَنْضَبِطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ، وَلَيْسَتْ طَرِيقَةً مُسْتَقِيمَةً، وَلَا مُعْتَدِلَةً، بَلْ خَطَّأَهَا كَثِيرٌ، وَقَدْ جُرِّبَ، وَهُمْ يَخْتَلِفُونَ كَثِيرًا: هَلْ يُرَى؟ أَمْ لَا يُرَى؟ وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ ضَبَطُوا بِالْحِسَابِ مَا لَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ، فَأَخْطَئُوا طَرِيقَ الصَّوَابِ، وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنْت أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute