للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَلِّيَ الْمُنْفَرِدَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالنَّهْيِ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ كَمَا أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ بِالْإِعَادَةِ.

وَأَمَّا الْأَئِمَّةُ الْمَذْكُورُونَ: فَمِنْ سَادَاتِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ إمَامُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُوَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ أَجَلُّ مِنْ أَقْرَانِهِ: كَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حُيَيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِ، وَلَهُ مَذْهَبٌ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ بِأَرْضِ خُرَاسَانَ.

وَالْأَوْزَاعِيِّ إمَامُ أَهْلِ الشَّامِ، وَمَازَالُوا عَلَى مَذْهَبِهِ إلَى الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ، بَلْ أَهْلُ الْمَغْرِبِ كَانُوا عَلَى مَذْهَبِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ إلَيْهِمْ مَذْهَبُ مَالِكٍ.

وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: هُوَ شَيْخُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَذْهَبُهُ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَمَذْهَبُهُمْ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ، فَلَمْ يَجْمَعْ النَّاسَ الْيَوْمَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ، بَلْ الْقَائِلُونَ بِهِ كَثِيرٌ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَرْقٌ فِي الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ، فَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، هَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ فِي زَمَانِهِمْ، وَتَقْلِيدُ كُلٍّ مِنْهُمْ كَتَقْلِيدِ الْآخَرِ، لَا يَقُولُ مُسْلِمٌ: إنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ هَذَا دُونَ هَذَا، وَلَكِنْ مَنْ مَنَعَ مِنْ تَقْلِيدِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّمَا مَنَعَهُ لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يَعْرِفُ مَذَاهِبَهُمْ، وَتَقْلِيدُ الْمَيِّتِ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، فَمَنْ مَنَعَهُ قَالَ: هَؤُلَاءِ مَوْتَى، وَمَنْ سَوَّغَهُ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَحْيَاءِ مِنْ يَعْرِفُ قَوْلَ الْمَيِّتِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ الْإِجْمَاعُ الْيَوْمَ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ.

وَيَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَةٍ مَعْرُوفَةٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهِيَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ مَثَلًا أَوْ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَعْصَارِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ أَوْ أَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَهَلْ يَكُونُ هَذَا إجْمَاعًا يَرْفَعُ ذَلِكَ الْخِلَافَ؟ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ قَالَ: إنَّ مَعَ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي لَا يُسَوَّغُ الْأَخْذُ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ؛ وَأَعْتَقِدَ أَنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ يُرَكِّبُ مَعَ هَذَيْنِ الِاعْتِقَادَيْنِ الْمَنْعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>