للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا وُقُوفُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ فَمَكْرُوهٌ، وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ بِاتِّفَاقِهِمْ، فَكَيْفَ يُقَاسُ الْمَنْهِيُّ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَكَذَلِكَ وُقُوفُ الْإِمَامِ أَمَامَ الصَّفِّ هُوَ السُّنَّةُ، فَكَيْفَ يُقَاسُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، أَمَّا قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى مَنْصُوصٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، كَقِيَاسِ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ وَقَفَتْ خَلْفَ الصَّفِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ تُصَافُّهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهَا مُصَافَّةُ الرِّجَالِ: وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَعَهَا فِي الصَّلَاةِ امْرَأَةٌ لَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَقُومَ مَعَهَا، وَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ عَنْ صَفِّ الرِّجَالِ.

وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَوْقِفًا إلَّا خَلْفَ الصَّفِّ، فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُبْطِلِينَ لِصَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ، وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ صَلَاتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ.

وَطَرَدَ هَذَا صِحَّةَ صَلَاةِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْإِمَامِ لِلْحَاجَةِ، كَقَوْلِ طَائِفَةٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

وَإِذَا كَانَ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَإِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ. فَكَذَلِكَ الِاصْطِفَافُ وَتَرْكُ التَّقَدُّمِ.

وَطَرَدَ هَذَا بَقِيَّةَ مَسَائِلِ الصُّفُوفِ، كَمَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى وَلَمْ يَرَ الْإِمَامَ، وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ [مَعَ] سَمَاعِهِ لِلتَّكْبِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَإِنَّمَا قُدِّمَ لِيَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ فَيَأْتَمُّونَ بِهِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْمَأْمُومِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ مِنْ الِاصْطِفَافِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقِفَ وَحْدَهُ ثُمَّ يَجِيءَ آخَرُ فَيُصَافُّهُ فِي الْقِيَامِ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فِيهِ النَّهْيُ بِقَوْلِهِ: " وَلَا تَعُدْ " وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الرَّكْعَةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْفَذِّ، فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا مُبَيَّنٌ مُفَسَّرٌ، وَذَلِكَ مُجْمَلٌ حَتَّى لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّفِّ بَعْدَ اعْتِدَالِ الْإِمَامِ - كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - لَكَانَ سَائِغًا فِي مِثْلِ هَذَا دُونَ مَا أُمِرَ فِيهِ بِالْإِعَادَةِ، فَهَذَا لَهُ وَجْهٌ، وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ.

وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، كَقَوْلٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ فَلَا يُسَوَّغُ، فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>