مُحَرَّمٌ، لَكِنْ لَمَّا أَمِنَ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ: هَلْ هُوَ بَاطِلٌ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَرَدًّا لِإِقْرَارِ الَّذِي صَادَفَ حَقَّ الْمُوَرَّثِ فِيمَا هُوَ مُتَّهَمٌ فِيهِ، لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ فَتَرِدُ التُّهْمَةُ كَالشَّاهِدِ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ هُوَ مَقْبُولٌ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِالْمُقِرِّ عِنْدَ الْخَاتِمَةِ.؟ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ احْتِيَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى فَسْخِ نِكَاحِ الزَّوْجِ مَعَ إمْسَاكِهِ بِالْمَعْرُوفِ بِإِنْكَارِهَا لِلْإِذْنِ لِلْوَلِيِّ، أَوْ بِإِسَاءَةِ عِشْرَتِهِ بِمَنْعِ بَعْضِ حُقُوقِهِ أَوْ فِعْلِ مَا يُؤْذِيهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَاحْتِيَالُ الْبَائِعِ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ كَانَ مَحْجُوزًا عَلَيْهِ، أَوْ احْتِيَالُ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ، وَاحْتِيَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى مُطَالَبَةِ الرَّجُلِ بِمَالٍ بِإِنْكَارِهَا الْإِنْفَاقَ أَوْ إعْطَاءَ الصَّدَاقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ فَهَذَا لَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِي أَنَّ هَذَا مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَمِنْ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ حَرَامٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مُحَرَّمَةٌ، لِأَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُرْسِلُ بِهَا إلَى إبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ، أَوْ إثْبَاتِ بَاطِلٍ.
وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَا هُوَ مِنْ نَفْسِهِ مُبَاحٌ لَكِنْ بِقَصْدِ الْمُحَرَّمِ صَارَ حَرَامًا كَالسَّفَرِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَصَارَ هَذَا الْقِسْمُ مُشْتَمِلًا عَلَى قِسْمَيْنِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْصِدَ بِالْحِيلَةِ أَخْذَ حَقٍّ، أَوْ دَفْعَ بَاطِلٍ لَكِنْ يَكُونُ الطَّرِيقُ فِي نَفْسِهِ مُحَرَّمًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ مَجْحُودٌ فَيُقِيمَ شَاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمَانِهِ فَيَشْهَدَانِ بِهِ فَهَذَا مُحَرَّمٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ، لِأَنَّ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ شَهِدَا بِالزُّورِ حَيْثُ شَهِدَا بِمَا لَا يَعْلَمَانِهِ وَهُوَ حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ دَيْنٌ وَلَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَجَحَدَ الْوَدِيعَةَ وَحَلَفَ مَا أَوْدَعَنِي شَيْئًا، أَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لَا بَيِّنَةَ بِهِ وَدَيْنٌ آخَرُ بِهِ بَيِّنَةٌ لَكِنْ قَدْ أَقْضَاهُ فَيَدَّعِي هَذَا الدَّيْنَ وَيُقِيمُ بِهِ الْبَيِّنَةَ وَيُنْكِرُ الِاقْتِضَاءَ وَيَتَأَوَّلُ: إنِّي إنَّمَا أَسْتَوْفِي ذَلِكَ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ. فَهَذَا حَرَامٌ كُلُّهُ، لِأَنَّهَا إنَّمَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِكَذِبٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا إنْ حَلَفَ. وَالْكَذِبُ حَرَامٌ كُلُّهُ.
وَهَذَا قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ بَعْضُ مَنْ يُفْتِي بِالْحِيلَةِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ مِنْهُمْ لَا يُحِلُّونَهُ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقْصِدَ حِلَّ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَقَدْ أَبَاحَهُ عَلَى سَبِيلِ الضِّمْنِ وَالتَّبَعِ إذَا وَجَدَ بَعْضَ الْأَسْبَابِ أَوْ سُقُوطَ مَا أَوْجَبَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهُ عَلَى سَبِيلِ الضِّمْنِ وَالتَّبَعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute