للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا وَجَدَ بَعْضَ الْأَسْبَابِ فَيُرِيدُ الْمُحْتَالُ أَنْ يَتَعَاطَى ذَلِكَ السَّبَبَ قَاصِدًا بِهِ ذَلِكَ الْحِيلَةَ وَالسُّقُوطَ - وَهَذَا حَرَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَقْصُودَهُ حِلُّ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّارِعُ بِقَصْدِ اسْتِحْلَالِهِ، أَوْ سُقُوطُ مَا لَمْ يَأْذَنْ الشَّارِعُ بِقَصْدِ إسْقَاطِهِ. وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الِاسْتِحْلَالَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مَقْصُودًا يُجَامِعُ حَقِيقَتَهُ بَلْ قَصَدَ بِهِ مَقْصُودًا يُنَافِي حَقِيقَتَهُ وَمَقْصُودَهُ الْأَصْلِيَّ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مَقْصُودَهُ الْأَصْلِيَّ بَلْ قَصَدَ بِهِ غَيْرَهُ. فَلَا يَحِلُّ بِحَالٍ. وَلَا يَصِحُّ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُمْكِنُ إبْطَالُهُ.

وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ تَصَرُّفُ الْمُحْتَالِينَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْفَتْوَى وَهُوَ أَكْثَرُ مَا قَصَدْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَدْ اشْتَبَهَ أَمْرُهُ عَلَى الْمُحْتَالِينَ فَقَالُوا: الرَّجُلُ إذَا قَصَدَ التَّحْلِيلَ مَثَلًا لَمْ يَقْصِدْ مُحَرَّمًا فَإِنَّ عَوْدَةَ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا بَعْدَ زَوَاجٍ حَلَالٍ.

وَالنِّكَاحُ الَّذِي يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى ذَلِكَ حَلَالٌ بِخِلَافِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ - وَهَذَا جَهْلٌ فَإِنَّ عَوْدَةَ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا إمَّا هُوَ حَلَالٌ إذَا وُجِدَ النِّكَاحُ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ، وَالنِّكَاحُ إنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ إذَا قَصَدَ بِهِ مَا يُقْصَدُ بِالنِّكَاحِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّكَاحِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا قَصَدَ مَا هُوَ مَقْصُودُهُ، أَوْ قَصَدَ نَفْسَ وُجُودِهِ أَوْ وُجُودِ بَعْضِ لَوَازِمِهِ وَتَوَابِعِهِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي الْعُرْفِ الطَّلَاقَ الْمُوجِبَ لِتَحْلِيلِ الْمُحَرَّمَةِ.

فَإِنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ النِّكَاحِ، وَإِزَالَتُهُ وَقَصْدُ إيجَادِ الشَّيْءِ لِإِعْدَامِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ وُجُودِهِ مُحَالٌ فَالْحِلُّ يَتْبَعُ الطَّلَاقَ، وَالطَّلَاقُ يَتْبَعُ النِّكَاحَ وَالنِّكَاحُ يَتْبَعُ حَقِيقَتَهُ الَّتِي شُرِعَ النِّكَاحُ وَجُعِلَ مِنْ أَجْلِهَا، فَإِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ هَكَذَا حَصَلَ الْحِلُّ، أَمَّا إذَا قَصَدَ بِالنِّكَاحِ التَّحْلِيلَ صَارَ النِّكَاحُ تَابِعًا لَهُ وَالشَّارِعُ قَدْ جَعَلَ الْحِلَّ الْمُطْلَقَ تَابِعًا لِلطَّلَاقِ الثَّانِي بَعْدَ النِّكَاحِ فَيَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْعًا لِلْآخَرِ وَتَبَعًا لَهُ فَيَصِيرُ الثَّانِي فَرْعَ نَفْسِهِ وَأَصْلَ أَصْلِهِ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ وَهَذَا مُحَالٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إذَا كَانَ إنَّمَا يَحْصُلُ تَبَعًا لِلْآخَرِ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِذَا كَانَ إنَّمَا يُقْصَدُ لِأَجْلِ الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ لَا يُقْصَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَإِذَا لَمْ يُقْصَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَانَ وُجُودُ مَا وُجِدَ مِنْهُمَا عَبَثًا وَالشَّارِعُ لَا يَشْرَعُ الْعَبَثَ، ثُمَّ فِيهِ إرَادَةُ وُجُودِ الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ، وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ فَلَا يُرَادُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَيَصِيرُ الْعَقْدُ أَيْضًا عَبَثًا وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحْتَالِينَ أَنْ تَصِيرَ الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ عَبَثًا وَهَذَا مِنْ أَسْرَارِ قَاعِدَةِ الْحِيَلِ فَلْيُتَفَطَّنْ لَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمَقَاصِدُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ هِيَ عِلَلُهَا الَّتِي هِيَ غَايَاتُهَا وَنِهَايَاتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>