وَهَذِهِ الْعِلَلُ الَّتِي هِيَ الْغَايَاتُ هِيَ مُتَقَدِّمَةٌ فِي الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي الْوُجُودِ وَالْحُصُولِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: أَوَّلُ الْفِكْرَةِ آخِرُ الْعَمَلِ وَأَوَّلُ الْبُغْيَةِ آخِرُ الدَّرَكِ وَالْعِلَلُ الَّتِي هِيَ الْغَايَاتُ وَالْعَوَاقِبُ، وَإِنْ كَانَ وُجُودُهَا بِفِعْلِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ وُجُودِهَا وَسَبَبُ كَوْنِهَا فَبِتَصَوُّرِهَا وَقَصْدِهَا صَارَ الْفَاعِلُ فَاعِلًا فَهِيَ الْمُحَقِّقَةُ لِكَوْنِ الْفَاعِلِ فَاعِلًا وَالْمُقَوِّمَةُ لِفِعْلِهِ وَهِيَ عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْفِعْلُ عِلَّةٌ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْوُجُودِ كَالنِّكَاحِ مَثَلًا فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِحِلِّ الْمُتْعَةِ، وَحِلُّ الْمُتْعَةِ عِلَّةٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَنْ يَقْصِدَهَا فَإِنَّمَا حَصَلَ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّكَاحِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ النِّكَاحُ بِقَصْدِ النَّاكِحِ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ فَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ حَقِيقَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْقَصْدِ أَعْنِي أَنَّهُ بِحَيْثُ يَقْصِدُهُ الْمُسْلِمُ، وَالْقَصْدُ مُوجِبٌ لِلْفِعْلِ وَالْفِعْلُ مُوجِبٌ لِوُجُودِ الْحِلِّ فَصَارَتْ الْعَاقِبَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْلُومَةٌ مَقْصُودَةٌ عِلَّةً وَمِنْ حَيْثُ هِيَ مَوْجُودَةٌ مَعْلُولَةً، وَشَرِكَهَا فِي أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ مَعْلُولٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَفِي الْآخَرِ عِلَّةٌ فِي نَفْسِ الْوُجُودِ.
وَمِثَالُ الْأَوَّلِ " لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ " الَّتِي تُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ.
وَمِثَالُ الثَّانِي قَعَدَ عَنْ الْحَرْبِ جُبْنًا وَمَنَعَ الْمَالَ بُخْلًا وَسَائِرُ الْعِلَلِ الْفَاعِلَةِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ حِلُّ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا عِلَّةٌ لِلنِّكَاحِ وَمَعْلُولٌ لَهُ، وَهُوَ تَابِعٌ مِنْ وَجْهٍ وَمَتْبُوعٌ مِنْ آخَرَ فَكَذَلِكَ حِلُّ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا قَدْ يَكُونُ تَابِعًا وَمَتْبُوعًا مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَحِلُّهَا تَابِعٌ لِوُجُودِ الطَّلَاقِ بَعْدَ النِّكَاحِ، وَمَعْلُولٌ لَهُ وُجُودًا وَهُوَ مَتْبُوعٌ، وَعِلَّةٌ لَهُ قَصْدًا، وَإِرَادَةً قَدْ يَفْعَلُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ لَا لِمَقَاصِدِهِ الْأَصْلِيَّةِ، بَلْ الْمَقَاصِدُ تَابِعَةٌ لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَسَنًا كَمَنْ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ لِمُصَاهَرَةِ أَهْلِهَا كَفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا خَطَبَ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْ لَأَنْ تَخْدُمَهُ فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ لِتَقُومَ عَلَى بَنَاتٍ وَأَخَوَاتٍ لَهُ كَفِعْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا عَدَلَ عَنْ نِكَاحِ الْبِكْرِ إلَى الثَّيِّبِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ التَّوَابِعُ مِنْ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ مِنْ اللَّوَازِمِ الْعُرْفِيَّةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ حَسَنًا كَانَ الْفِعْلُ حَسَنًا وَحُصُولُ الْفُرْقَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَكُونُ فِيهَا فَسَادٌ لِحَالَيْهِمَا وَرُبَّمَا تَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى أَوْلَادِهِمَا أَوْ أَقَارِبِهِمَا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ هَلَاكُ الْمَرْأَةِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ طَالَتْ صُحْبَتُهَا وَحُمِدَتْ عِشْرَتُهَا، وَقَوِيَتْ مَوَدَّتُهَا وَبَيْنَهُمَا أَطْفَالٌ يَضِيعُونَ بِالطَّلَاقِ، وَبِهَا مِنْ الْوَجْدِ وَالصَّبَابَةِ مِثْلُ مَا بِهِ، فَإِنَّ قَصْدَ تَرَاجُعِهِمَا وَالتَّسَبُّبَ فِي ذَلِكَ عَمَلٌ صَالِحٌ، فَإِذَا قَصَدَهُ الْمُحَلِّلُ وَلَمْ يُشْعِرْهُمَا لَمْ يَقْصِدْ إلَّا خَيْرًا، وَرُبَّمَا يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ شُبْهَةُ مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute