يَقُولُ خَيْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ يَعْنِي الْحَرْبَ وَالْإِصْلَاحَ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ أَنَّهُ كَذِبٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ.
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ سَكَنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى أَنْ تَتَابَعُوا فِي الْكَذِبِ كَمَا يَتَتَابَعُ الْفَرَاشُ كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إلَّا ثَلَاثَ خِصَالٍ رَجُلٌ كَذَبَ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَرَجُلٌ كَذَبَ بَيْنَ امْرَأَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا وَرَجُلٌ كَذَبَ فِي خَدْعَةِ حَرْبٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَلَفْظُهُ: «لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَيُرْوَى أَيْضًا، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: «الْكَذِبُ كُلُّهُ إثْمٌ إلَّا مَا يُنْفَعُ بِهِ الْمُسْلِمُ أَوْ دُفِعَ بِهِ عَنْ دِينٍ» .
فَلَمْ يُرَخِّصْ فِيمَا تُسَمِّيهِ النَّاسُ كَذِبًا، وَإِنْ كَانَ صِدْقًا فِي الْعِنَايَةِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ قَوْلَهُ لِسَارَةَ أُخْتِي. وَقَوْلَهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَقَوْلَهُ إنِّي سَقِيمٌ» وَالثَّلَاثُ مَعَارِيضُ وَمَلَاحَةٌ. فَإِنَّهُ قَصَدَ بِاللَّفْظِ مَا يُطَابِقُهُ فِي عِنَايَتِهِ لَكِنْ لَمَّا أَفْهَمَ الْمُخَاطَبَ مَا لَا يُطَابِقُهُ سُمِّيَ كَذِبًا، ثُمَّ هَذَا الضَّرْبُ قَدْ ضُيِّقَ فِيهِ كَمَا تَرَى.
يُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْسِيرَ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكْذِبُ امْرَأَتِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا جُنَاحَ عَلَيْك» . وَسَيَجِيءُ كَلَامُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُظْهِرَ قَوْلًا وَفِعْلًا مَقْصُودُهُ بِهِ مَقْصُودٌ صَالِحٌ، وَإِنْ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ غَيْرَ مَا قَصَدَ بِهِ إذَا كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ مِثْلُ دَفْعِ ظُلْمٍ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ مُسْلِمٍ، أَوْ دَفْعِ الْكُفَّارِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الِاحْتِيَالِ عَلَى إبْطَالِ حِيلَةٍ مُحَرَّمَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ حِيلَةٌ جَائِزَةٌ.
وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ مِثْلُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَنَحْوِهَا غَيْرَ مَا شُرِعَتْ الْعُقُودُ لَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute