للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شَرْعُ] مَنْ قَبْلَنَا. لَكِنْ نَسَخَ هَذَا شَرْعُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَرَضَ لِلْمُسْلِمِينَ تَحِلَّةَ أَيْمَانِهِمْ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا عَقْدَ الْيَمِينِ بِمَا فَرَضَهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِلَا رَيْبٍ؛ إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ يُرْوَى عَنْ شُرَيْحٍ، وَيُذْكَرُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الطَّلَاقَ. وَإِذَا قِيلَ: يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ؛ فَإِنْ نَوَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ تَوْكِيدَ الْأُولَى - لَا إنْشَاءَ يَمِينٍ أُخْرَى - لَمْ يَقَعْ بِهِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَ بِهِ ثَلَاثٌ وَقِيلَ: لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ دَاوُد وَأَصْحَابُهُ وَطَوَائِفَ مِنْ الشِّيعَةِ. وَيَذْكُرُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ؛ بَلْ هُوَ مَأْثُورٌ عَنْ طَائِفَةٍ صَرِيحًا كَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ رِوَايَةَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ.

وَأَصْلُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ وَالنَّذْرِ: لَغْوٌ، كَالْحَلِفِ بِالْمَخْلُوقَاتِ. وَيُفْتِي بِهِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا بِالْتِزَامِ الطَّلَاقِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: كَالْقَفَّالِ، وَصَاحِبِ " التَّتِمَّةِ " وَيُنْقَلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي. أَوْ لَازِمٌ لِي، وَنَحْوُ ذَلِكَ: صِيغَةُ نَذْرٍ، لَا صِيغَةُ إيقَاعٍ، كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ.

وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطَلِّقَ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ بِلَا نِزَاعٍ؛ وَلَكِنْ فِي لُزُومِهِ الْكَفَّارَةَ لَهُ قَوْلَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إمَّا مُطْلَقًا. وَإِمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ.

وَالثَّانِي: لَا. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَالْقَفَّالِ، وَالْبَغَوِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. فَمَنْ جَعَلَ هَذَا نَذْرًا، وَلَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ فِي نَذْرِ الطَّلَاقِ: يُفْتِي بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَمَنْ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لَزِمَهُ عَلَى قَوْلِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، كَمَا يُفْتِي بِذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِنَذْرِ الْمَعَاصِي وَالْمُبَاحَاتِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>