وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ جَهَرَ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا. فَهَلْ يَأْثَمُ، الْمُنْكِرُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ: الْجَهْرُ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْبِدَعِ السَّيِّئَةِ، لَيْسَ مِنْ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إنَّ الْجَهْرَ بِالنِّيَّةِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا هُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَائِلُ هَذَا يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا عُوقِبَ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ.
وَإِنَّمَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي نَفْسِ التَّلَفُّظِ بِهَا سِرًّا. هَلْ يُسْتَحَبُّ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا يَتَلَفَّظُونَ بِهَا لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا؛ وَالْعِبَادَاتُ الَّتِي شَرَعَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّتِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا، وَلَا إحْدَاثُ بِدْعَةٍ فِيهَا.
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ، مِثْلُ مَا أَحْدَثَ بَعْضُ النَّاسِ الْأَذَانَ فِي الْعِيدَيْنِ، وَاَلَّذِي أَحْدَثَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ. هَذَا وَإِنْ كَانَ الْأَذَانُ ذِكْرَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ لَمَّا أَحْدَثَ النَّاسُ اجْتِمَاعًا رَاتِبًا غَيْرَ الشَّرْعِيِّ: مِثْلَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوَّلَ رَجَبٍ أَوْ أَوَّلَ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ فِيهِ، وَلَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ أَحْدَثَ نَاسٌ صَلَاةً سَادِسَةً يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا غَيْرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ، وَأَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ.
وَأَمَّا قِيَامُ رَمَضَانَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَّهُ لِأُمَّتِهِ، وَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً عِدَّةَ لَيَالٍ، وَكَانُوا عَلَى عَهْدِهِ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً، وَفُرَادَى، لَكِنْ لَمْ يُدَاوِمُوا عَلَى جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلَّا تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَمَعَهُمْ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ الَّذِي جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، حَيْثُ يَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي. عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» يَعْنِي الْأَضْرَاسَ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ الْقُوَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute