للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّبْعِيضِ وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّرْكِيبِ فَيُقَالُ لَهُ الْكَلَامُ فِي وَصْفِ اللَّهِ بِالْجِسْمِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا بِدْعَةً لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ كَمَا لَمْ يَقُولُوا أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ بَلْ مَنْ أَطْلَقَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ اسْتَفْصَلَ عَمَّا أَرَادَ بِذَلِكَ فَإِنَّ فِي لَفْظِ الْجِسْمِ بَيْنَ النَّاطِقِينَ بِهِ نِزَاعًا كَثِيرًا فَإِنْ أَرَادَ تَنْزِيهَهُ عَنْ مَعْنًى يَجِبُ تَنْزِيهُ عَنْهُ مِثْلَ أَنْ يُنَزِّهَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ فَهَذَا حَقٌّ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ الرَّبَّ جِسْمًا مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُبْتَدَعَةِ ضَلَالًا دَعْ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَحْمٌ وَدَمٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الضَّلَالَاتِ الْمَنْقُولَةِ عَنْهُمْ وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ مَا ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ وَحَقِيقَةُ الْعَقْلِ أَيْضًا مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ وَلَهُ فَهَذَا حَقٌّ وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَجْسِيمًا أَوْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَكُونُ إلَّا لِجِسْمٍ فَمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ هُوَ حَقٌّ وَإِذَا لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَعْنِيهِ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِلَفْظِ الْجِسْمِ فَلَازِمِ الْحَقِّ حَقٌّ كَيْفَ وَالْمُثْبِتَةُ تَقُولُ إنَّ ثُبُوتَ هَذَا مَعْلُومٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَنَظَرِهِ وَهَكَذَا مُثْبِتُ لَفْظِ الْجِسْمِ إنْ أَرَادَ بِإِثْبَاتِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ صَوَّبْنَا مَعْنَاهُ وَمَنَعْنَاهُ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمُبْتَدَعَةِ الْمُجْمَلَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ الْجِسْمِ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهُ مِنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ رَدَدْنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبَيَّنَّا ضَلَالَهُ وَإِفْكَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ نَقْلنَا الْكَلَامَ مَعَهُ إلَى إبْطَالِ التَّجْسِيمِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَدِلَّةَ النَّافِينَ وَالْمُثْبَتِينَ مُسْتَوْفَاةً فِي بَيَانُ تَلْبِيسِ الْجَهْمِيَّةِ فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِمْ الْكَلَامِيَّةِ وَتَبَيَّنَ لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٌ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَدِلَّةِ النَّفْيِ كُلِّهَا حُجَجٌ دَاحِضَةٌ وَأَنَّ جَانِبَ الْمُثْبِتَةِ أَقْوَى وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي أَقُولُ إنَّهُ إذَا نُظِرَ إلَى إسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَجَمِيعِ الْوُفُودِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَعْرِفْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّينَ وَأَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَدَلَائِلِ الرِّسَالَةِ لَا مِنْ قَبْلِ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ وَلَا مِنْ بَابِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَلَا مِنْ بَابِ كَانَ وَيَكُونُ وَلَوْ كَانَ النَّظَرُ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا وَفِي الْجِسْمِ وَنَفْيِهِ وَالتَّشْبِيهِ وَنَفْيِهِ لَازِمًا مَا أَضَاعُوهُ وَلَوْ أَضَاعُوا الْوَاجِبَ لَمَا نَطَقَ الْقُرْآنُ بِتَزْكِيَتِهِمْ وَتَقْدِيمِهِمْ وَلَا أَطْنَبَ فِي مَدْحِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِلْمِهِمْ مَشْهُورًا وَمِنْ أَخْلَاقِهِمْ مَعْرُوفًا لَاسْتَفَاضَ عَنْهُمْ وَشَهَرُوا بِهِ كَمَا شَهَرُوا بِالْقُرْآنِ وَالرِّوَايَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>