للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ السِّتُّونَ: إنَّ قَوْلَهُ وَالرَّبُّ وَاحِدٌ وَمُتَّصِفٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَمُتَقَدِّسٌ عَنْ التَّجَزُّؤِ وَالتَّبْعِيضِ وَقَوْلُ ابْنِ فُورَكٍ لِأَنَّ الرَّبَّ مُتَكَلِّمٌ وَاحِدٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي يَصِفُونَ فِيهَا الرَّبَّ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَيُشْعِرُونَ النَّاسَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ مُوَحِّدُونَ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ الَّتِي أَفْسَدُوا بِهَا التَّوْحِيدَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمُحْدَثُ قَدْ زَيَّنَ لِهَؤُلَاءِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ بِذَلِكَ مُحْسِنُونَ حَتَّى سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ مُوَحِّدِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ مِنْهُمْ وَحَتَّى كَفَرُوا وَعَادَوْا الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ التَّوْحِيدِ حَقًّا وَكَانُوا عَلَى الْأُمَّةِ أَضَرَّ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ الَّذِي يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَهَؤُلَاءِ الْكِلَابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ إنَّمَا أَخَذُوهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْجَهْمِيَّةِ وَلَمْ يُوَافِقُوهُمْ عَلَيْهِ كُلِّهِ بَلْ وَافَقُوهُمْ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا هُوَ أَصْلُ جَهْمٍ الَّذِي أَسَّسَ عَلَيْهِ ضَلَالَاتِهِ وَهَؤُلَاءِ يُفَسِّرُونَ التَّوْحِيدَ وَاسْمَ اللَّهِ الْوَاحِدِ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي تَحْقِيقِ تِلْكَ الْمَعَانِي اخْتِلَافًا عَظِيمًا فَيَقُولُونَ فِي اسْمِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ لَهُ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ إحْدَاهَا: الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَرَكَّبُ وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا تَفْسِيرُ اسْمِ الْأَحَدِ وَهَذِهِ الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا هُنَا.

قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي إرْشَادِهِ الْقَوْلُ فِي وَحْدَانِيَّةِ الْبَارِي. فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الْوَاحِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْوَاحِدُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ أَوْ لَا يَصِحُّ انْقِسَامُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ قُلْت الْوَاحِدُ هُوَ الشَّيْءُ كَانَ كَافِيًا هُوَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَرْكِيبٌ وَفِي قَوْلِ الْقَائِلِ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ نَوْعُ تَرْكِيبٍ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي يُقَالُ لِلْقَاضِي التَّرْكِيبُ الْمَحْدُودُ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ إلْحَادٌ بِوَصْفٍ زَائِدٍ يَسْتَغْنِي عَنْهُ وَقَدْ لَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّيْءِ الْمُطْلَقِ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُقَيَّدِ فَلَيْسَ يُفْهَمُ مِنْ الشَّيْءِ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ فَإِنَّ الْوَحْدَةَ تُشْعِرُ بِانْتِفَاءِ الْقِسْمَةِ عَنْ الشَّيْءِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّحْدِيدِ الْإِيضَاحُ أَجَابَ الْقَاضِي بِأَنْ قَالَ كَلَامُنَا فِي الْحَقَائِقِ وَالشَّيْءِ الْمُطْلَقِ هُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا يَنْقَسِمُ.

يُقَالُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَحْدَةَ تُشْعِرُ بِانْتِفَاءِ الْقِسْمَةِ عَنْ الشَّيْءِ فَهُمَا أَمْرَانِ مُتَلَازِمَانِ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>