للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُدَّ مِنْ التَّعْرِيضِ لَهُمَا كَمَا قُلْنَا فِي الْغِيَرَيْنِ كُلُّ مَوْجُودَيْنِ يَجُوزُ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِوَجْهٍ ثُمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا سُئِلْنَا عَنْ الْوَاحِدِ فَنَقُولُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ مَعَانٍ فَقَدْ يُرَادُ بِهَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ وُجُودُهُ الْقِسْمَةَ وَقَدْ يُطْلَقُ وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْإِشْكَالِ وَالنَّظَائِرِ عَنْهُ وَقَدْ يُطْلَقُ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَلَاذَ سِوَاهُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُتَحَقِّقَةٌ فِي وَصْفِ الْقَدِيمِ سُبْحَانَهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا قَسِيمَ لَهُ وَوَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ لَا شَبِيهَ لَهُ وَوَاحِدٌ فِي أَفْعَالِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالَ شَارِحُ الْإِرْشَادِ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ شَيْخُ الشِّهْرِسْتَانِيّ وَحَكَى عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ الْوَاحِدُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ وَالْوَضْعَ يَعْنِي الْفَصْلَ وَالْوَصْلَ أَشَارَ إلَى وَحْدَةِ الْإِلَهِ فَإِنَّ الْجَوْهَرَ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ وَلَكِنْ يَقْبَلُ النِّهَايَةَ، الْإِلَهُ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَقْبَلُ فَصْلًا وَلَا وَصْلًا وَنَحْنُ قَدْ أَقَمْنَا الدَّلَالَةَ فِي مَسْأَلَةِ نَفْيِ التَّجْسِيمِ عَلَى نَفْيِ الْأَقْسَامِ وَأَقَمْنَا الدَّلَالَةَ عَلَى نَفْيِ الْمِثْلِ وَبَقِيَ عَلَيْنَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ قُلْت أَمَّا نَفْيُ الْمِثْلِ عَنْ اللَّهِ وَنَفْيُ الشَّرِيكِ فَثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ لَكِنْ قَدْ يُدْخِلُ طَوَائِفُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةِ بَلْ يَنْفِيَانِهِ وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ بِنَفْيِ الِانْقِسَامِ فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ قَطُّ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ يُقَالُ إنَّهُ وَاحِدٌ إلَّا الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْجَوْهَرِ الْفَرْدِ مَعَ أَنَّ أَبَا الْمَعَالِي هُوَ مِنْ الشَّاكِّينَ فِي ثُبُوتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ فَإِذًا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ إنَّهُ وَاحِدٌ وَهَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْعَقْلِ وَإِذْ قِيلَ الْوَاحِدُ هُوَ الشَّيْءُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فَلَا يَكُونُ قَدْ خَلَقَ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ وَاحِدًا عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرُوهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُسَمِّيَ أَحَدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ شَيْئًا ثُمَّ إنَّهُمْ يُسَمُّونَ؛ أَهْلَ الْكَلَامِ الْمُوَحِّدِينَ وَيُسَمُّونَ مَا كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَهُ الْكَلَامَ عِلْمَ التَّوْحِيدِ حَتَّى قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي أَوَّلِ إرْشَادِهِ بَعْدَ أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِاسْتِكْمَالٍ مِنْ الْبُلُوغِ أَوْ الْحُلُمِ شَرْعًا الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ.

قَالَ وَالنَّظَرُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُوَحِّدِينَ هُوَ الْفِكْرُ الَّذِي يَطْلُبُ مَنْ قَامَ بِهِ عِلْمًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ وَأَيْضًا فَإِنَّ اسْمَ الْوَاحِدِ أَوْ الْأَحَدِ قَدْ جَعَلُوا لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكًا آخَرَ لِمَوْجُودَاتٍ وَهُوَ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ وَجَعَلَتْ الْمُتَفَلْسِفَة لَهُ فِي ذَلِكَ شُرَكَاءَ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ كَالنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عُمْدَةَ أَصْحَابِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>