للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي إثْبَاتِ إلَهِيَّتِهِ وَفِي قَوْلِهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " إثْبَاتُ عَظَمَتِهِ فَإِنَّ الْكِبْرِيَاءَ يَتَضَمَّنُ الْعَظَمَةَ وَلَكِنَّ الْكِبْرِيَاءَ أَكْمَلُ.

وَلِهَذَا جَاءَتْ الْأَلْفَاظُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ بِقَوْلِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " فَإِنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِ اللَّهُ أَعْظَمُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْته» فَجَعَلَ الْعَظَمَةَ كَالْإِزَارِ، وَالْكِبْرِيَاءَ كَالرِّدَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّدَاءَ أَشْرَفُ، فَلَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ أَبْلَغَ مِنْ التَّعْظِيمِ صَرَّحَ بِلَفْظِهِ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ، وَفِي قَوْلِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، صَرَّحَ فِيهَا بِالتَّنْزِيهِ مِنْ السُّوءِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّعْظِيمِ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْكَلِمَتَيْنِ مُتَضَمِّنًا مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ إذَا أُفْرِدَتَا، وَعِنْدَ الِاقْتِرَانِ تُعْطِي كُلُّ كَلِمَةٍ خَاصِّيَّتَهَا.

وَهَذَا كَمَا أَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَعْنَى الْآخَرِ؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ، وَالذَّاتُ تَسْتَلْزِمُ مَعْنَى الِاسْمِ الْآخَرِ، لَكِنَّ هَذَا بِاللُّزُومِ.

وَأَمَّا دَلَالَةُ كُلِّ اسْمٍ عَلَى خَاصِّيَّتِهِ وَعَلَى الذَّاتِ بِمَجْمُوعِهِمَا فَبِالْمُطَابَقَةِ، وَدَلَالَتُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا بِالتَّضَمُّنِ.

فَقَوْلُ الدَّاعِي: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} [الأنبياء: ٨٧] يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ اللَّاتِي هُنَّ أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ.

وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ تَتَضَمَّنُ مَعَانِي أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا فَفِيهَا كَمَالُ الْمَدْحِ.

وَقَوْلُهُ: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] فِيهِ اعْتِرَافٌ بِحَقِيقَةِ حَالِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ أَنْ يُبَرِّئَ نَفْسَهُ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ، لَا سِيَّمَا فِي مَقَامِ مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . وَقَالَ: «مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ» فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِظُلْمِ نَفْسِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ، وَلِهَذَا كَانَ سَادَاتُ الْخَلَائِقِ لَا يَفْضُلُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى يُونُسَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، بَلْ يَقُولُونَ: كَمَا قَالَ أَبُوهُمْ آدَم وَخَاتِمُهُمْ مُحَمَّدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>