للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَظَّمَ: كَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان: ٢٦] وَقَوْلِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: ٤٠] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} [التغابن: ١] فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ وَالْغِنَى لَا يَكُونُ مَحْمُودًا بَلْ مَذْمُومًا، إذْ الْحَمْدُ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَحْمُودِ بِمَحَاسِنِهِ الْمَحْبُوبَةِ، فَيَتَضَمَّنُ إخْبَارًا بِمَحَاسِنِ الْمَحْبُوبِ مَحَبَّةً لَهُ.

وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الْحَمْدِ وَالْمَحَبَّةِ يَكُونُ فِيهِ عَجْزٌ وَضَعْفٌ وَذُلٌّ يُنَافِي الْعَظَمَةَ وَالْغِنَى وَالْمُلْكَ.

فَالْأَوَّلُ يُهَابُ وَيُخَافُ وَلَا يُحَبُّ.

وَهَذَا يُحَبُّ وَيُحْمَدُ، وَلَا يُهَابُ وَلَا يُخَافُ.

وَالْكَمَالُ اجْتِمَاعُ الْوَصْفَيْنِ.

كَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ «أَنَّ الْمُؤْمِنَ رُزِقَ حَلَاوَةً وَمَهَابَةً» وَفِي نَعْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ» .

فَقَرَنَ التَّسْبِيحَ بِالتَّحْمِيدِ، وَقَرَنَ التَّهْلِيلَ بِالتَّكْبِيرِ؛ كَمَا فِي كَلِمَاتِ الْأَذَانِ.

ثُمَّ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ يَتَضَمَّنُ الْآخَرَ إذَا أَفْرَدَ: فَإِنَّ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ يَتَضَمَّنُ التَّعْظِيمَ؛ وَيَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ مَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْإِلَهِيَّةَ فَإِنَّ الْإِلَهِيَّةَ تَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ مَحْبُوبًا؛ بَلْ تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ كَمَالَ الْحُبِّ إلَّا هُوَ.

وَالْحَمْدُ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمَحْمُودِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ فَالْإِلَهِيَّةُ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحَمْدِ؛ وَلِهَذَا كَانَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " مِفْتَاحَ الْخِطَابِ؛ وَكُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ " وَسُبْحَانَ اللَّهِ " فِيهَا إثْبَاتُ عَظَمَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: « {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٧٤] وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَقَالَ: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ بِالدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَجَعَلَ التَّعْظِيمَ فِي الرُّكُوعِ أَخَصَّ مِنْهُ بِالسُّجُودِ وَالتَّسْبِيحَ يَتَضَمَّنُ التَّعْظِيمَ.

فَفِي " قَوْلِهِ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " إثْبَاتُ تَنْزِيهِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَحَمْدِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " فَفِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ [إثْبَاتُ] مَحَامِدِهِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا دَاخِلَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>