التَّأْوِيلِ الَّذِي هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ فِي شَيْءٍ، وَهَذَا أَحَدُ مَثَارَاتِ غَلَطِ الْغَالِطِينَ فِي هَذَا الْبَابِ حَيْثُ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ وَأَنَّ اللَّفْظَ يُؤَوَّلُ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا فِي مَعْنَاهُ إضَافَةٌ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إضَافَةً مَحْضَةً كَالْعُلُوِّ وَالسُّفُولِ وَفَوْقَ وَتَحْتَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى ثُبُوتِيًّا فِيهِ إضَافَةٌ كَالْعِلْمِ وَالْحُبِّ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ لَهُ مَعْنًى مُفْرَدٌ بِحَسَبِ بَعْضِ مَوَارِدِهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مُفْرَدًا قَطُّ.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ الِاشْتِرَاكُ أَوْ الْمَجَازُ بَلْ يُجْعَلُ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ مَوَارِدِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ لَفْظَ اسْتَوَى لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ فِي خُصُوصِ جُلُوسِ الْآدَمِيِّ مَثَلًا عَلَى سَرِيرِهِ حَقِيقَةً حَتَّى يَصِيرَ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ فِي خُصُوصِ جُلُوسِ الْآدَمِيِّ مَثَلًا عَلَى سَرِيرِهِ حَقِيقَةً حَتَّى يَصِيرَ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ فِي خُصُوصِ الْعَرَضِ الْقَائِمِ بِقَلْبِ الْبَشَرِ الْمُنْقَسِمِ إلَى ضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ حَقِيقَةً وَاسْتَعْمَلَتْهُ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا بَلْ هَذَا الْمَعْنَى تَارَةً يُسْتَعْمَلُ بِلَا تَعْدِيَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: ١٤] وَتَارَةً يُعَدَّى بِحَرْفِ الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: ٢٩] وَتَارَةً يُعَدَّى بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ، ثُمَّ هَذَا تَارَةً يَكُونُ صِفَةً لِلَّهِ وَتَارَةً يَكُونُ صِفَةً لِخَلْقِهِ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ اسْتِوَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَاصِّيَّةُ الَّتِي تَثْبُتُ لِلْمَخْلُوقِ دُونَ الْخَالِقِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: ٤٧] وقَوْله تَعَالَى {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: ٧١] وقَوْله تَعَالَى {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨] . وقَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: ١٠٥] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute