للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَانِمِينَ، فَصَارُوا رَقِيقًا لَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبَ أَخْذَهُمْ مِنْهُمْ، إمَّا تَبَرُّعًا وَإِمَّا مُعَاوَضَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ، لَمَّا اعْتَكَفَ وَبَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ السَّبْيَ، فَأَعْتَقَ جَارِيَةً كَانَتْ عِنْدَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَطَئُونَ ذَلِكَ السَّبْيَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ، وَهُوَ مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِيهِ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» .

وَفِي الْمُسْنَدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَوَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ كَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مَلَاحَةً، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك، وَجِئْتُك أَسْتَعِينُك عَلَى كِتَابَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ لَك فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَقْضِي كِتَابَتَك وَأَتَزَوَّجُك، قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ فَعَلْت. قَالَتْ: وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، قَالَتْ: فَقَدْ عَتَقَ بِتَزَوُّجِهِ إيَّاهَا مِائَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا» .

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَنَحْوُهَا مَشْهُورٌ بَلْ مُتَوَاتِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْبِي الْعَرَبَ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ، كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ وَغَيْرُهُمْ: سَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَرَبَ، وَسَبَى أَبُو بَكْرٍ بَنِي نَاجِيَةَ، كَانَ يُطَارِدُ الْعَرَبَ بِذَلِكَ الِاسْتِرْقَاقِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٤] .

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمَسْبِيَّاتِ، أَبَاحَ اللَّهُ لَهُمْ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِذَا سُبِيَتْ وَاسْتُرِقَّتْ بِدُونِ زَوْجِهَا جَازَ وَطْؤُهَا بِلَا رَيْبٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>