وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، «أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَغَايَا يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ، وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَزَوُّجِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ» . وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: ٢٥] .
فَإِنَّمَا أَبَاحَ اللَّهُ نِكَاحَ الْإِمَاءِ فِي حَالِ كَوْنِهِنَّ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، وَالْمُسَافِحَةُ الَّتِي تُسَافِحُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ، وَالْمُتَّخِذَاتُ الْخِدْنِ الَّتِي يَكُونُ لَهَا صَدِيقٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا كَانَ مَنْ هَذِهِ حَالُهَا لَا تُنْكَحُ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ؟ بَلْ تُسَافِحُ مَعَ مَنْ اتَّفَقَ،، وَإِذَا كَانَ مَنْ هَذِهِ حَالُهَا فِي الْإِمَاءِ، فَكَيْفَ بِالْحَرَائِرِ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: ٥] ، فَاشْتَرَطَ هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي الرِّجَالِ هُنَا كَمَا اشْتَرَطَهُ فِي النِّسَاءِ هُنَاكَ.
وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ النُّورِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣] لِأَنَّهُ مَنْ تَزَوَّجَ زَانِيَةً بِزَانٍ مَعَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مَاؤُهُ مَصُونًا مَحْفُوظًا، فَكَانَ مَاؤُهُ مُخْتَلِطًا بِمَاءِ غَيْرِهِ، وَالْفَرْجُ الَّذِي يَطَؤُهُ مُشْتَرَكًا، وَهَذَا هُوَ الزِّنَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا يَزْنِي بِغَيْرِهَا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، كَانَ وَطْؤُهُ لَهَا مِنْ جِنْسِ وَطْءِ الزَّانِي لِلْمَرْأَةِ الَّتِي يَزْنِي بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا غَيْرُهُ.
وَإِنَّ مِنْ صُوَرِ الزِّنَى اتِّخَاذُ الْأَخْدَانِ، وَالْعُلَمَاءُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute