للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا تَكَلَّمُوا فِي تَوْبَتِهَا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُرَاوِدُهَا عَلَى نَفْسِهَا. فَإِنْ أَجَابَتْهُ كَمَا كَانَتْ تُجِيبُهُ لَمْ تَتُبْ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يُرَاوِدُهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ تَابَتْ فَإِذَا رَاوَدَهَا نَقَضَتْ التَّوْبَةُ، وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ إذَا رَاوَدَهَا أَنْ يَقَعَ فِي ذَنْبٍ مَعَهَا. وَاَلَّذِينَ اشْتَرَطُوا امْتِحَانَهَا قَالُوا: لَا يُعْرَفُ صِدْقُ تَوْبَتِهَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] " وَالْمُهَاجِرُ " قَدْ يَتَنَاوَلُ التَّائِبَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ» فَهَذِهِ إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا هَجَرَتْ السُّوءَ اُمْتُحِنَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى قَلْبِهِ صِدْقُ تَوْبَتِهَا.

وقَوْله تَعَالَى: {وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: ٥] حَرُمَ بِهِ أَنْ يَتَّخِذَ صَدِيقَةً فِي السِّرِّ تَزْنِي مَعَهُ لَا مَعَ غَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي آيَةِ الْإِمَاءِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] فَذَكَرَ فِي {الْإِمَاءِ} مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، وَأَمَّا " الْحَرَائِرُ " فَاشْتُرِطَ فِيهِنَّ أَنْ يَكُونَ الرِّجَالُ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ، وَذَكَرَ فِي الْمَائِدَةِ {وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: ٥] لَمَّا ذَكَرَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَفِي النِّسَاءِ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا غَيْرَ مُسَافِحِينَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَاءَ كُنَّ مَعْرُوفَاتٍ بِالزِّنَا دُونَ الْحَرَائِرِ، فَاشْتُرِطَ فِي نِكَاحِهِنَّ أَنْ يَكُنَّ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي تَبْغِي لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُحْصَنَةٌ يُحْصِنُهَا زَوْجُهَا، فَلَا تُسَافِحُ الرِّجَالَ وَلَا تَتَّخِذُ صَدِيقًا.

وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأُمُورِ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْفَاجِرَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>