ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِهِمَا مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَالزَّمَانِ كَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ وَالْمَكَانِ فَيُطْعِمُهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ مِمَّا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُوَ الْعُرْفُ بَيْنَهُمْ. وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمُتْعَةِ وَالْعِشْرَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا، وَيَطَأَهَا بِالْمَعْرُوفِ. وَيَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِهَا وَحَالِهِ. وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَطْءِ الْوَاجِبِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَعْرُوفِ؛ لَا بِتَقْدِيرٍ مِنْ الشَّرْعِ، قَرَّرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالْمِثَالُ الْمَشْهُورُ هُوَ النَّفَقَةُ، فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْمَعْرُوفِ تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ نَوْعًا وَقَدْرًا: مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ مُدًّا وَنِصْفًا، أَوْ مُدَّيْنِ؛ قِيَاسًا عَلَى الْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.
وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ مَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ عِلْمًا وَعَمَلًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ، لَمَّا قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» . فَأَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْكِفَايَةَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهَا نَوْعًا وَلَا قَدْرًا، وَلَوْ تَقَدَّرَ ذَلِكَ بِشَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَبَيَّنَ لَهَا الْقَدْرَ وَالنَّوْعَ، كَمَا بَيَّنَ فَرَائِضَ الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ الْعَظِيمَةِ بِعَرَفَاتٍ: لَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» .
وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْكِفَايَةُ بِالْمَعْرُوفِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكِفَايَةَ بِالْمَعْرُوفِ تَتَنَوَّعُ بِحَالَةِ الزَّوْجَةِ فِي حَاجَتِهَا، وَيَتَنَوَّعُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ، وَيَتَنَوَّعُ حَالُ الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَلَيْسَتْ كِسْوَةُ الْقَصِيرَةِ الضَّئِيلَةِ كَكِسْوَةِ الطَّوِيلَةِ الْجَسِيمَةِ، وَلَا كِسْوَةُ الشِّتَاءِ كَكِسْوَةِ الصَّيْفِ، وَلَا كِفَايَةُ طَعَامِهِ كَطَعَامِهِ، وَلَا طَعَامُ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ كَالْبَارِدَةِ، وَلَا الْمَعْرُوفُ فِي بِلَادِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، كَالْمَعْرُوفِ فِي بِلَادِ الْفَاكِهَةِ وَالْخَمِيرِ.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَاجَهْ، «عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute