وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا. أَوْ يَحْلِفُ عَلَى غَيْرِهِ - كَعَبْدِهِ وَصَدِيقِهِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ يَبَرُّ قَسَمَهُ - لَيَفْعَلَن كَذَا. أَوْ لَا يَفْعَلُ كَذَا. أَوْ يَقُولُ: الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَأَفْعَلَن كَذَا. أَوْ لَا أَفْعَلُهُ. أَوْ يَقُولُ: عَلَيَّ الْحَجُّ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. أَوْ لَا أَفْعَلُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَهَذِهِ صِيَغُ قَسَمٍ، وَهُوَ حَالِفٌ بِهَذِهِ الْأُمُورِ؛ لَا مَوْقِعَ لَهَا. وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: إنَّهُ إذَا حَنِثَ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَالثَّالِثُ: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَلِفِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] . وَقَالَ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] .
وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَبِي مُوسَى، أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» . وَجَاءَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مُوسَى؛ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ.
وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَحَنِثَ أَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَمَنْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الشِّرْكِ: مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ بِتُرْبَةِ أَبِيهِ؛ أَوْ الْكَعْبَةِ، أَوْ نِعْمَةِ السُّلْطَانِ، أَوْ حَيَاةِ الشَّيْخِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ: فَهَذِهِ الْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا إذَا حَنِثَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: مِنْ الصِّيَغِ: أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ أَوْ النَّذْرَ بِشَرْطٍ؛ فَيَقُولُ: إنْ كَانَ كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ. أَوْ الْحَجُّ. أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ. وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَهَذَا يُنْظَرُ إلَى مَقْصُودِهِ، فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ لَيْسَ غَرَضُهُ وُقُوعَ هَذِهِ الْأُمُورِ - كَمَنْ لَيْسَ غَرَضُهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا وَقَعَ الشَّرْطُ - فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَالِفِ؛ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ وُقُوعَ هَذِهِ الْأُمُورِ: كَمَنْ غَرَضُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُقُوعِ