الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالْعِتْقُ مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ ". ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بِمَنْ غَرَضُهُ أَنْ يُوقِعَهُ؛ لَا لِمَنْ يَكْرَهُ وُقُوعَهُ، كَالْحَالِفِ بِهِ، وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فَكَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ: مِنْ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالنَّذْرِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ مَذْهَبُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ لَكِنْ فِيهِمْ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ: كَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ: كَطَاوُسٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ
. وَالْأَيْمَانُ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا الْخَلْقُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: يَمِينٌ مُحْتَرَمَةٌ مُنْعَقِدَةٌ: كَالْحَلِفِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى: فَهَذِهِ فِيهَا الْكَفَّارَةُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
الثَّانِي: الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ: كَالْحَالِفِ بِالْكَعْبَةِ. فَهَذِهِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَعْقِدَ الْيَمِينَ لِلَّهِ، فَيَقُولُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ. أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ. أَوْ فَنِسَائِي طَوَالِقُ. أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذِهِ فِيهَا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ: إمَّا لُزُومُ الْمَحْلُوفِ بِهِ، وَإِمَّا الْكَفَّارَةُ، وَإِمَّا لَا هَذَا وَلَا هَذَا. وَلَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَّا يَمِينَانِ: يَمِينٌ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَفِيهَا الْكَفَّارَةُ. أَوْ يَمِينٌ لَيْسَتْ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ: فَهَذِهِ لَا شَيْءَ فِيهَا إذَا حَنِثَ. فَهَذِهِ الْأَيْمَانُ إنْ كَانَتْ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَفِيهَا كَفَّارَةٌ؛ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَلْزَمْ بِهَا شَيْءٌ.
فَأَمَّا إثْبَاتُ يَمِينٍ يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِهَا مَا الْتَزَمَهُ، وَلَا تُجْزِئُهُ فِيهَا كَفَّارَةٌ: فَهَذَا لَيْسَ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ حُكْمَ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ. وَذَكَرَ فِي السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا حُكْمَ طَلَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: ١] {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: ٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute