الْحَالِفَ بِالْعِتْقِ لَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ، فَالْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْلَى عِنْدَهُمْ.
وَهَذَا كَالْحَلِفِ بِالنَّذْرِ مِثْلُ: أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ. أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ. أَوْ ثُلُثُ مَالِي صَدَقَةٌ. فَإِنَّ هَذَا يَمِينٌ تُجْزِئُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِثْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ التَّابِعِينَ: كَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ بِلَا نِزَاعٍ عَنْهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اخْتَارَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ أَبِي الْغَمْرِ، وَأَفْتَى ابْنُ الْقَاسِمِ ابْنَهُ بِذَلِكَ.
وَالْمَعْرُوفُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ، أَوْ الْعَتَاقِ، أَوْ النَّذْرِ: إمَّا أَنْ تُجْزِئَهُ الْكَفَّارَةُ فِي كُلِّ يَمِينٍ. وَإِمَّا أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِمَّا أَنْ يَلْزَمَهُ كَمَا حَلَفَ بِهِ؛ بَلْ إذَا كَانَ قَوْلُهُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً. وَقَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ لَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ؛ بَلْ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ لَزِمَهُ بِالِاتِّفَاقِ، فَقَوْلُهُ: فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ، لِأَنَّ قَصْدَ الْيَمِينِ إذَا مُنِعَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْوُجُوبُ فِي الْإِعْتَاقِ وَالْعِتْقِ فَلَأَنْ يَمْنَعَ لُزُومَ الْعِتْقِ وَحْدَهُ أَوْلَى.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ ثُبُوتَ الْحُقُوقِ فِي الذِّمَمِ أَوْسَعَ نُفُوذًا؛ فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالْعَبْدَ قَدْ تَثْبُتُ الْحُقُوقُ فِي ذِمَمِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ، فَإِذَا كَانَ قَصَدَ الْيَمِينَ مَعَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ فِي الذِّمَّةِ [مَمْنُوعٌ] ، فَلَأَنْ يَمْنَعَ وُقُوعَهُ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَإِذَا كَانَ الْعِتْقُ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ فَالطَّلَاقُ الَّذِي لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ إذَا قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ؛ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْجَزَاءُ إذَا قَصَدَ وُجُوبَ الْجَزَاءِ عِنْدَ وُجُوبِ الشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ: إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتَ طَالِقٌ، وَإِنْ شَفَا اللَّهُ مَرِيضِي فَثُلُثُ مَالِي صَدَقَةٌ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ يَكْرَهُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ لِيَحُضَّ نَفْسَهُ أَوْ يَمْنَعَهَا، أَوْ يَحُضَّ غَيْرَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ: فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، وَمَالِي صَدَقَةٌ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، وَنِسَائِي طَوَالِقُ، وَعَلَيَّ عَشْرُ حِجَجٍ، وَصَوْمٌ: فَهَذَا حَالِفٌ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute