للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَدَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ " الْخُلْعَ " فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ وَفِرْقَةٌ بَائِنَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، لَا يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ.

وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ: كَابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؛ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ؛ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.

وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مَعْرُوفَةٌ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخُلْعَ طَلَاقًا؛ لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ؛ وَابْنِ خُزَيْمَةَ؛ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، كَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَالْخُلْعُ: أَنْ تَبْذُلَ الْمَرْأَةُ عِوَضًا لِزَوْجِهَا؛ لِيُفَارِقَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: ٢٢٨] {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٢٩] {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٣٠ - ٢٣١] فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَرَبَّصْنَ أَيْ يَنْتَظِرْنَ ثَلَاثَ قُرُوءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>