وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَهُ إلَّا عَلِيًّا، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَالرَّأْيِ، كَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ: كَانَ آخِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى بِذَبَائِحِهِمْ بَأْسًا.
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ عَلِيٍّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَأَحْمَدُ إنَّمَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُ فِي بَنِي تَغْلِبَ، وَهُمْ الَّذِينَ تَنَازَعَ فِيهِمْ الصَّحَابَةُ، فَأَمَّا سَائِرُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ، مِثْلُ تَنُوخَ وَبَهْرَاءَ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْيَهُودِ فَلَا أَعْرِفُ عَنْ أَحْمَدَ فِي حِلِّ ذَبَائِحِهِمْ نِزَاعًا، وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ فِي بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً، وَلَكِنْ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ مَنْ جَعَلَ فِيهِمْ رِوَايَتَيْنِ كَبَنِي تَغْلِبَ، وَالْحِلُّ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَمَا أَعْلَمُ لِقَوْلِ الْآخَرِ قُدْوَةً مِنْ السَّلَفِ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ [قَالُوا] بِأَنَّهُ: مَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرَ كِتَابِيٍّ، بَلْ مَجُوسِيًّا لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ وَمُنَاكَحَةُ نِسَائِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَجُوسِيًّا، وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَهُ فِيهَا قَوْلَانِ، فَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ مَجُوسِيَّيْنِ حَرُمَتْ ذَبِيحَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ، وَغَالِبُ ظَنِّي أَنَّ هَذَا غَلَطٌ عَلَى مَالِكٍ فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ.
وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخَرَّجَةِ عَنْ أَحْمَدَ فِي سَائِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا هَؤُلَاءِ، فَأَمَّا إذَا جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَنِي تَغْلِبَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ قِيلَ إنَّ النِّزَاعَ عَامٌّ، وَفَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ ذَبَائِحِ بَنِي تَغْلِبَ وَنِسَائِهِمْ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا عِبْرَةَ بِالنَّسَبِ، بَلْ لَوْ كَانَ الْأَبَوَانِ جَمِيعًا مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ وَثَنِيَّيْنِ وَالْوَلَدُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِلَا رَيْبٍ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute