وَيُحِلُّ كُلَّ طَيِّبٍ، وَيُحَرِّمُ كُلَّ خَبِيثٍ، وَيَضَعُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ.
وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَرْجُوحَةِ فَهِيَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ الَّتِي أَحْسَنُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الشَّرْعِ الْمَنْسُوخِ الَّذِي رَفَعَهُ اللَّهُ بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ قَائِلُهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأُمَّةِ وَأَجَلِّهَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ مُجْتَهِدٌ قَدْ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ، وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَتَقْوَاهُ، مَغْفُورٌ لَهُ خَطَؤُهُ، فَلَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ قَوْلٌ قَالَهُ غَيْرُهُ بِاجْتِهَادِهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» .
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَجَيْشٍ: «وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك» .
وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا حَكَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَاصَرَهُمْ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ. فَأَنْزَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمْ حِلْفًا وَهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهِمْ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ خِلَافَ مَا يَظُنُّ بِهِ بَعْضُ قَوْمِهِ: كَانَ مُقَدِّمًا لِرِضَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى رِضَى قَوْمِهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِهِ. فَحَكَمَ فِيهِمْ: أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى حَرِيمُهُمْ، وَتُقْسَمُ أَمْوَالُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ» وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: ٧٨] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute