للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبُخَارِيُّ: مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا. فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " يَلِجُّ " مِنْ اللَّجَاجِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ " نَذْرُ اللَّجَاجِ، وَالْغَضَبِ ". وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: صِيغَةُ التَّنْجِيزِ، وَالْإِرْسَالِ: كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ، فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

الثَّانِي صِيغَةُ قَسَمٍ: كَقَوْلِهِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا. فَهَذَا يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَاتِّفَاقِ طَوَائِفِ الْفُقَهَاءِ، وَاتِّفَاقِ الْعَامَّةِ، وَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَرْضِ.

الثَّالِثُ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ: كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. فَهَذِهِ إنْ كَانَ قَصْدُهُ بِهِ الْيَمِينَ - وَهُوَ الَّذِي يَكْرَهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا كَمَا يَكْرَهُ الِانْتِقَالَ عَنْ دِينِهِ - إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ. أَوْ يَقُولُ الْيَهُودِيُّ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ؛ فَهُوَ يَمِينٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

فَإِنَّ الْيَمِينَ هِيَ مَا تَضَمَّنَتْ حَضًّا، أَوْ مَنْعًا، أَوْ تَصْدِيقًا، أَوْ تَكْذِيبًا بِالْتِزَامِ مَا يَكْرَهُ الْحَالِفُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ. فَالْحَالِفُ لَا يَكُونُ حَالِفًا إلَّا إذَا كَرِهَ وُقُوعَ الْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ. فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا، سَوَاءٌ كَانَ يُرِيدُ الشَّرْطَ وَحْدَهُ وَلَا يَكْرَهُ الْجَزَاءَ عِنْدَ وُقُوعِهِ، أَوْ كَانَ يُرِيدُ الْجَزَاءَ عِنْدَ وُقُوعِهِ غَيْرَ مُرِيدٍ لَهُ، أَوْ كَانَ مُرِيدًا لَهُمَا. فَأَمَّا إذَا كَانَ كَارِهًا لِلشَّرْطِ وَكَارِهًا لِلْجَزَاءِ مُطْلَقًا - يَكْرَهُ وُقُوعَهُ؛ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الشَّرْطِ؛ أَوْ لِيَحُضَّ بِذَلِكَ - فَهَذَا يَمِينٌ.

وَإِنْ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِ الْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ: إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا زَنَيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ.

الْفَاحِشَةِ؛ لَا مُجَرَّدُ الْحَلِفِ عَلَيْهَا؛ فَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ؛ وَلَا كَفَّارَةَ فِي هَذَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ؛ بَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ عِنْدَ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. فَالْيَمِينُ الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا الْحَضَّ، أَوْ الْمَنْعَ، أَوْ التَّصْدِيقَ؛ أَوْ التَّكْذِيبَ بِالْتِزَامِهِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ مَا يَكْرَهُ وُقُوعَهُ - سَوَاءٌ كَانَتْ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ؛ أَوْ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ: يَمِينٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ يَمِينًا مِثْلُ كَوْنِهِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا وَخَبَرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>