للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ عَلَيْهِمْ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ الصَّوَابُ؛ فَإِنَّ مَا قَالَهُ أُولَئِكَ يَظْهَرُ فَسَادُهُ مِنْ وُجُوهٍ.

مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الطَّلَاقَ كَمَا أَبَاحَ النِّكَاحَ، وَأَنَّ دِينَ الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفٌ لِدِينِ النَّصَارَى الَّذِي لَا يُبِيحُونَ الطَّلَاقَ، فَلَوْ كَانَ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الطَّلَاقُ لَصَارَ دِينُ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ دِينِ النَّصَارَى.

وَشُبْهَةُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتَ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقًا مُنَجَّزًا: لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الْمُعَلَّقُ، وَلَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ يَقَعُ الْمُنْجَزُ، فَكَانَ وُقُوعُهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُقُوعِهِ: فَلَا يَقَعُ؛ وَهَذَا خَطَأٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَوَقَعَ الْمُعَلَّقُ. إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا؛ فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بَاطِلًا لَا يَلْزَمُ وُقُوعُ التَّعْلِيقِ. وَالتَّعْلِيقُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَضْمُونَهُ وُقُوعُ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ، وَوُقُوعُ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ بَاطِلٌ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ.

وَمَضْمُونُهُ أَيْضًا إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي لَمْ يَقَعْ عَلَيْك طَلَاقِي. وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقَعْ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ الْجَزَاءُ. وَإِذَا وَقَعَ الشَّرْطُ لَزِمَ الْوُقُوعُ. فَلَوْ قِيلَ: لَا يَقَعُ مَعَ ذَلِكَ. لَزِمَ أَنْ يَقَعَ وَلَا يَقَعُ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَأَيْضًا فَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ لَمْ يَرْتَفِعْ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَلَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُطَلِّقِ يَتَضَمَّنُ مُحَالًا فِي الشَّرِيعَةِ - وَهُوَ وُقُوعُ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ - وَمُحَالًا فِي الْعَقْلِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِ وُقُوعِهِ: كَانَ الْقَائِلُ بِالتَّسْرِيجِ مُخَالِفًا لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ؛ لَكِنْ إذَا اعْتَقَدَ الْحَالِفُ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، وَطَلَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ: لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّكَلُّمَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ طَلَاقًا؛ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ الْعَجَمِيُّ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُهُ؛ بَلْ وَكَذَلِكَ لَوْ خَاطَبَ مَنْ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً بِالطَّلَاقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ التَّسْرِيجِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَكُنْ ظُهُورُ الْحَقِّ لَهُ فِيمَا بَعْدُ مُوجِبًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ إنْ احْتَاطَ فَرَاجَعَ امْرَأَتَهُ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَقَعَ بِهِ، أَوْ مُعْتَقِدًا وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ التَّسْرِيجِ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ بِهَذَا الْإِقْرَارِ شَيْءٌ، وَلَوْ اعْتَقَدَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَرَاجَعَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ فِيهِ مَرَّةً فَلَا يَحْنَثُ فِيهِ مَرَّةً ثَانِيَةً: لَمْ يَقَعْ بِهِ: فَهَذَا الْفِعْلُ شَيْءٌ وَالْيَمِينُ الَّتِي حَلَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>