يُطَلِّقَ مُعَيَّنَةً وَيَنْسَاهَا أَوْ يَجْهَلَ عَيْنَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَ مُبْهَمَةً وَيَمُوتَ قَبْلَ تَمْيِيزِهَا بِتَعْيِينِهِ أَوْ يَعْرِفَهُ: ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْجَمِيعِ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يَقَعُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ، كَقَوْلِ الثَّلَاثَةِ.
وَإِذَا قَدَّرَ تَعَيُّنَهَا وَلَمْ تَعَيَّنَ، فَهَلْ تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، أَوْ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا، كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، أَوْ يُقْرَعَ بَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا، كَمَا يَقُولُهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَالْقُرْعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ هِيَ قُرْعَةٌ عَلَى الْمَالِ، فَلِهَذَا قَالَ بِهَا مَنْ لَمْ يُرِدْ الْقُرْعَةَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ.
وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مُبْهَمَةً أَوْ مَجْهُولَةً أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ، فَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ لَمْ تَرِثْ هِيَ وَلَا الذِّمِّيَّةُ شَيْئًا. أَمَّا هِيَ فَلِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ، وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ. وَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ وَرِثَتْ الْمُسْلِمَةُ مِيرَاثَ زَوْجَةٍ كَامِلَةٍ، هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ طَلَاقًا مُحْرِمًا لِلْمِيرَاثِ مِثْلُ أَنْ يُبِينَهَا فِي صِحَّتِهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فِي الصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ، وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهَذِهِ زَوْجَتُهُ تَرِثُ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَتَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّتُهَا عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ مُدَّةِ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْبَائِنَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ، إذَا كَانَ طَلَّقَهَا طَلَاقًا فِيهِ يَقْصِدُ حِرْمَانَهَا الْمِيرَاثَ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ يَرِثُهَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ يَرِثُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَلِلشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَذَلِكَ لَكِنَّ قَوْلَهُ الْجَدِيدَ أَنَّهَا لَا تَرِثُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتَّهَمْ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرِثُ.
فَعَلَى هَذَا لَا تَرِثُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الطَّلَاقِ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ قَصْدُ الْحِرْمَانِ، وَمَنْ وَرَّثَهَا مُطْلَقًا كَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ كَذَلِكَ، وَإِذَا وَرِثَتْ الْمَبْتُوتَةُ فَقِيلَ تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا صُورَةُ أَنَّهَا لَمْ تَتَبَيَّنْ الْمُطَلَّقَةُ فَإِحْدَاهُمَا، وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَالْأُخْرَى عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute