للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُوَاظِبُونَ عَلَى أَدَاءِ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِمْ: مِنْ صَوْمٍ، وَصَلَاةٍ، وَعِبَادَةٍ. وَفِيهِمْ كَبِيرُ الْقَدْرِ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ؛ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ ظَوَاهِرِ السُّوءِ وَالْفُسُوقِ، وَقَدْ اجْتَمَعَتْ عُقُولُهُمْ وَأَذْهَانُهُمْ وَرَأْيُهُمْ عَلَى أَكْلِ " الْغُبَيْرَاءِ " وَكَانَ قَوْلُهُمْ وَاعْتِقَادُهُمْ فِيهَا أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَسَيِّئَةٌ؛ غَيْرَ أَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُونَ فِي اعْتِقَادِهِمْ بِدَلِيلِ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّهَا حَرَامٌ؛ غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ وِرْدًا بِاللَّيْلِ، وَتَعَبُّدَاتٍ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا إذَا حَصَلَتْ نَشْوَتُهَا بِرُءُوسِهِمْ تَأْمُرُهُمْ بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ، وَلَا تَأْمُرُهُمْ بِسُوءٍ وَلَا فَاحِشَةٍ، وَنَسَبُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ضَرَرٌ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَهَا حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ؛ إلَّا أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِمُخَالَفَةِ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَاَللَّهُ يَغْفِرُ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.

وَاجْتَمَعَ بِهِمْ رَجُلٌ صَادِقُ الْقَوْلِ. وَذَكَرَ عَنْهُمْ ذَلِكَ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى أَكْلِهَا بِحُكْمِهِمْ عَلَيْهِ، وَحَدِيثِهِمْ لَهُ، وَاعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ: فَهَلْ يَجِبُ عَلَى آكِلِهَا حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ أَمْ لَا؟ أَفْتَوْنَا.

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَعَمْ يَجِبُ عَلَى آكِلِهَا حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ.

وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ ضُلَّالٌ جُهَّالٌ عُصَاةٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَكَفَى بِرَجُلٍ جَهْلًا أَنْ يَعْرِفَ بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ، وَأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: إنَّهُ تُطَيِّبُ لَهُ الْعِبَادَةَ، وَتُصْلِحُ لَهُ،،، وَيْحُ هَذَا الْقَائِلِ؟ ، أَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ عَلَى الْخَلْقِ مَا يَنْفَعُهُمْ، وَيُصْلِحُ لَهُمْ حَالَهُمْ؟ ، نَعَمْ قَدْ يَكُونُ فِي الشَّيْءِ مَنْفَعَةٌ وَفِيهِ مَضَرَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ فَيُحَرِّمُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَضَرَّةَ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ مَضَرَّةً مَحْضَةً، وَصَارَ هَذَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: خُذْ مِنِّي هَذَا الدِّرْهَمَ وَأَعْطِنِي دِينَارًا، فَجَهْلُهُ يَقُولُ لَهُ: هُوَ يُعْطِيك دِرْهَمًا فَخُذْهُ، وَالْعَقْلُ يَقُولُ: إنَّمَا يَحْصُلُ الدِّرْهَمُ بِفَوَاتِ الدِّينَارِ، وَهَذَا ضَرَرٌ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ؛ بَلْ جَمِيعُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إنْ ثَبَتَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُهُ أَكْثَرَ.

فَهَذِهِ " الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ " هِيَ وَآكِلُوهَا وَمُسْتَحِلُّوهَا، الْمُوجِبَةُ لِسَخَطِ اللَّهِ وَسَخَطِ رَسُولِهِ وَسَخَطِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، الْمُعْرِضَةُ صَاحِبَهَا لِعُقُوبَةِ اللَّهِ؛ إذَا كَانَتْ كَمَا يَقُولُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>