للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَبْدُ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ سَيِّئَاتٌ وَحَسَنَاتٌ فَإِنَّهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، وَلَا يُحْبِطُ حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِ لِأَجْلِ مَا صَدَرَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ بِحُبُوطِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا بِالْكَبِيرَةِ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَأَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.

وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ لَا يَعْتَقِدُونَ عِصْمَةَ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا الْقَرَابَةِ وَلَا السَّابِقِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ؛ بَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ وُقُوعُ الذُّنُوبِ مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَيَرْفَعُ بِهَا دَرَجَاتِهِمْ، وَيَغْفِرُ لَهُمْ بِحَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: ٣٣] {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: ٣٤] {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: ٣٥] وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: ١٥ - ١٦] .

وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - هُمْ الَّذِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ. فَأَمَّا الصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءُ؛ وَالصَّالِحُونَ: فَلَيْسُوا بِمَعْصُومِينَ.

وَهَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ. وَأَمَّا مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ: فَتَارَةً يُصِيبُونَ، وَتَارَةً يُخْطِئُونَ. فَإِذَا اجْتَهَدُوا فَأَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدُوا وَأَخْطَئُوا فَلَهُمْ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، وَخَطَؤُهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ. وَأَهْلُ الضَّلَالِ يَجْعَلُونَ الْخَطَأَ وَالْإِثْمَ مُتَلَازِمَيْنِ: فَتَارَةً يُغْلُونَ فِيهِمْ؛ وَيَقُولُونَ: إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ. وَتَارَةً يَجْفُونَ عَنْهُمْ؛ وَيَقُولُونَ: إنَّهُمْ بَاغُونَ بِالْخَطَأِ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ لَا يُعْصَمُونَ. وَلَا يُؤْثَمُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>