الطَّبَرِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَهَا بَقِيَّةُ طَوَائِفِ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ وَنَحْوِهِ؛ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ؛ وَمَنْ كَفَّرَهُمْ بِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ الْغَلِيظَةَ الَّتِي تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي مِثَالِ ذَلِكَ: قَوْلُهُمْ صَوَابٌ أَوْ خَطَأٌ. فَمَنْ وَافَقَهُمْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُمْ الصَّوَابُ. وَمَنْ نَازَعَهُمْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُمْ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ مُخَالِفِهِمْ.
وَهَذَا الْمَسْئُولُ عَنْهُ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ لَكِنَّهُ يَنْفِي التَّكْفِيرَ عَنْهُمْ. وَمِثْلُ هَذَا تَجِبُ عُقُوبَةُ مَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِ، وَنَسَبَهُ إلَى تَنْقِيصِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِنَقِيضِ هَذَا، وَهَذَا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ الْقَائِلِينَ بِالْعِصْمَةِ، قَسَّمَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ، إلَى أَنْ قَالَ: الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ مَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَخْتَلِفُ فِي إقْرَارِهِ عَلَيْهِ، وَمَا يَطْرَأُ مِنْ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْهُ وَيُمْكِنُ إضَافَتُهَا إلَيْهِ. أَوْ يَذْكُرُ مَا اُمْتُحِنَ بِهِ وَصَبَرَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَلَى شِدَّتِهِ مِنْ مَقَاسَاتِ أَعْدَائِهِ وَأَذَاهُمْ لَهُ، وَمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ حَالِهِ، وَسِيرَتِهِ، وَمَا لَقِيَهُ مِنْ بُؤْسِ زَمَنِهِ، وَمَرَّ عَلَيْهِ مِنْ مُعَانَاتِ عَيْشِهِ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ، وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةِ مَا صَحَّتْ بِهِ الْعِصْمَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ: هَذَا فَنٌّ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْفُنُونِ السِّتَّةِ؛ لَيْسَ فِيهِ غَمْضٌ وَلَا نَقْصٌ وَلَا إزْرَاءٌ وَلَا اسْتِخْفَافٌ، وَلَا فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَلَا فِي مَقْصِدِ اللَّفْظِ؛ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَطَلَبَةِ الدِّينِ مِمَّنْ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُ، وَيُحَقِّقُونَ فَوَائِدَهُ؛ وَيُجَنِّبُ ذَلِكَ مِمَّنْ عَسَاهُ لَا يَفْقَهُ، أَوْ يَخْشَى بِهِ فِتْنَةً.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَبْلَ هَذَا؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ السَّبِّ حَاكِيًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَآثِرًا لَهُ عَنْ سِوَاهُ. قَالَ: فَهَذَا يُنْظَرُ فِي صُورَةِ حِكَايَتِهِ، وَقَرِينَةِ مَقَالَتِهِ؛ وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ عَلَى " أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ " الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالتَّحْرِيمِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُحْمَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ إقَامَةُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْقَائِلِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الرَّذَالَةِ وَالنَّقْصِ عَلَى قَائِلِهِ؛ بِخِلَافِ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute