فَأَغْوَاهُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَهَكَذَا جَرَى لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَشَايِخِ مَعَ أَصْحَابِهِمْ؛ يَسْتَغِيثُ أَحَدُهُمْ بِالشَّيْخِ، فَيَرَى الشَّيْخَ قَدْ جَاءَ وَقَضَى حَاجَتَهُ، وَيَقُولُ ذَلِكَ الشَّيْخُ: إنِّي لَمْ أَعْلَمْ بِهَذَا، فَيَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَيْطَانًا. وَقَدْ قُلْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَمَّا ذَكَرَ لِي أَنَّهُ اسْتَغَاثَ بِهِمَا كَانَ يَعْتَقِدُهُمَا، وَأَنَّهُمَا أَتَيَاهُ فِي الْهَوَى؛ وَقَالَا لَهُ طَيِّبْ قَلْبَك، نَحْنُ نَدْفَعُ عَنْك هَؤُلَاءِ، وَنَفْعَلُ، وَنَصْنَعُ. قُلْت لَهُ: فَهَلْ كَانَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لَا فَكَانَ هَذَا مِمَّا دَلَّهُ عَلَى أَنَّهُمَا شَيْطَانَانِ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ وَإِنْ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْإِنْسَانَ بِقَضِيَّةٍ أَوْ قِصَّةٍ فِيهَا صِدْقٌ، فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ أَضْعَافَ ذَلِكَ، كَمَا كَانَتْ الْجِنُّ يُخْبِرُونَ الْكُهَّانَ.
وَلِهَذَا مَنْ اعْتَمَدَ عَلَى مُكَاشَفَتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْجِنِّ كَانَ كَذِبُهُ أَكْبَرَ مِنْ صِدْقِهِ، كَشَيْخٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ: " الشَّيَّاحُ " تَوَّبْنَاهُ، وَجَدَّدْنَا إسْلَامَهُ كَانَ لَهُ قَرِينٌ مِنْ الْجِنِّ يُقَالُ لَهُ: عَنْتَرٌ " يُخْبِرُهُ بِأَشْيَاءَ، فَيَصْدُقُ تَارَةً، وَيَكْذِبُ تَارَةً، فَلَمَّا ذَكَرْت لَهُ أَنَّك تَعْبُدُ شَيْطَانًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: يَا عَنْتَرُ، لَا سُبْحَانَك؛ إنَّك إلَهٌ قَذِرٌ، وَتَابَ مِنْ ذَلِكَ، فِي قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ.
وَقَدْ قَتَلَ سَيْفُ الشَّرْعِ مَنْ قَتَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ مِثْلُ الشَّخْصِ الَّذِي قَتَلْنَاهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَكَانَ لَهُ قَرِينٌ يَأْتِيهِ وَيُكَاشِفُهُ فَيَصْدُقُ تَارَةً، وَيَكْذِبُ تَارَةً، وَقَدْ انْقَادَ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَنْسُوبِينَ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالرِّئَاسَةِ، فَيُكَاشِفُهُمْ حَتَّى كَشَفَ اللَّهُ لَهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَرِينَ كَانَ تَارَةً يَقُولُ لَهُ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ. وَيَذْكُرُ أَشْيَاءَ تُنَافِي حَالَ الرَّسُولِ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الرَّسُولَ يَأْتِينِي، وَيَقُولُ لِي كَذَا وَكَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَكْفُرُ مَنْ أَضَافَهَا إلَى الرَّسُولِ؛ فَذَكَرْت لِوُلَاةِ الْأُمُورِ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ؛ وَأَنَّ الَّذِي يَرَاهُ شَيْطَانًا؛ وَلِهَذَا لَا يَأْتِيهِ فِي الصُّورَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِلنَّبِيِّ.
بَلْ يَأْتِيهِ فِي صُورَةٍ مُنْكَرَةٍ، وَيَذْكَرُ عَنْهُ أَنَّهُ يَشْكِي لَهُ؛ وَيُبِيحُ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمُسْكِرَ وَأُمُورًا أُخْرَى. وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ الرُّؤْيَةِ؛ وَلَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِي أَنَّهُ رَأَى تِلْكَ الصُّورَةَ؛ لَكِنْ كَانَ كَافِرًا فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ.
وَلِهَذَا يَحْصُلُ لَهُمْ تَنَزُّلَاتٌ شَيْطَانِيَّةٌ بِحَسَبِ مَا فَعَلُوهُ مِنْ مُرَادِ الشَّيْطَانِ؛ فَكُلَّمَا بَعُدُوا عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَطَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ قَرُبُوا مِنْ الشَّيْطَانِ، فَيَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ؛ وَالشَّيْطَانُ طَارَ بِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْرَعُ الْحَاضِرِينَ، وَشَيَاطِينُهُ صَرَعَتْهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute