فَهَؤُلَاءِ " الْقَرَامِطَةُ " هُمْ فِي الْبَاطِنِ وَالْحَقِيقَةِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَيَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ بَلْ وَإِيصَالَ النَّسَبِ إلَى الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَعِلْمَ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يُوجَدُ عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَأَنَّ إمَامَهُمْ مَعْصُومٌ. فَهُمْ فِي الظَّاهِرِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ دَعْوَى بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَفِي الْبَاطِنِ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ بِالرَّحْمَنِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنْ الْكَذَّابِينَ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: ٩٣] وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَدَّعُونَ هَذَا وَهَذَا فَإِنَّ الَّذِي يُضَاهِي الرَّسُولَ الصَّادِقَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَ دَعْوَتِهِ فَيَقُولُ: إنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي وَأَنْزَلَ عَلَيَّ، وَكَذَبَ عَلَى اللَّهِ أَوْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَلَا يُسَمِّيَ مُوحِيَهُ كَمَا يَقُولُ قِيلَ لِي وَنُودِيت وَخُوطِبْت وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَكُونَ كَاذِبًا، فَيَكُونُ هَذَا قَدْ حَذَفَ الْفَاعِلَ أَوْ لَا يَدَّعِي وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ لَكِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ وَوَجْهُ الْقِسْمَةِ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ فِي مُضَاهَاةِ الرَّسُولِ إمَّا أَنْ يُضِيفَهُ إلَى اللَّهِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ أَوْ لَا يُضِيفَهُ إلَى أَحَدٍ فَهَؤُلَاءِ فِي دَعْوَاهُمْ مِثْلَ الرَّسُولِ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَكَيْفَ بِالْقَرَامِطَةِ الَّذِينَ يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَ مُسَيْلِمَةُ وَأَلْحَدُوا فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَ مُسَيْلِمَةُ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَ مُسَيْلِمَةُ، وَبَسْطُ حَالِهِمْ يَطُولُ لَكِنَّ هَذِهِ الْأَوْرَاقَ لَا تَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته حَالُ أَئِمَّتِهِمْ وَقَادَتِهِمْ الْعَالِمِينَ بِحَقِيقَةِ قَوْلِهِمْ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ انْضَمَّ إلَيْهِمْ مِنْ الشِّيعَة وَالرَّافِضَة مَنْ لَا يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ عَالَمًا بِحَقِيقَةِ بَاطِنِهِمْ وَلَا مُوَافِقًا لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ مِنْ أَتْبَاعِ الزَّنَادِقَةِ الْمُرْتَدِّينَ الْمَوَالِي لَهُمْ النَّاصِرِ لَهُمْ؛ بِمَنْزِلَةِ أَتْبَاعِ الِاتِّحَادِيَّةِ الَّذِينَ يُوَالُونَهُمْ وَيُعَظِّمُونَهُمْ وَيَنْصُرُونَهُمْ، وَلَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ فِي وَحْدَةِ الْوُجُودِ؛ وَأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ. فَمَنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي الْبَاطِنِ وَهُوَ جَاهِلٌ مُعَظِّمٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَابْنِ الْفَارِضِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الِاتِّحَادِ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَكَذَا مَنْ كَانَ مُعَظِّمًا لِلْقَائِلَيْنِ بِمَذْهَبِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فَإِنَّ نِسْبَةَ هَؤُلَاءِ إلَى الْجَهْمِيَّةِ كَنِسْبَةِ أُولَئِكَ إلَى الرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَلَكِنَّ الْقَرَامِطَةَ أَكْفَرُ مِنْ الِاتِّحَادِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute