بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى جَزِيرَةُ قُبْرُصَ يَسَّرَ اللَّهُ فَتْحَهَا عَنْ قَرِيبٍ، وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ " عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَتَحَهَا " مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ " إلَى أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ.
فَهَؤُلَاءِ الْمُحَادُّونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَثُرُوا حِينَئِذٍ بِالسَّوَاحِلِ وَغَيْرِهَا فَاسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى السَّاحِلِ؛ ثُمَّ بِسَبَبِهِمْ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي ذَلِكَ؛ ثُمَّ لَمَّا أَقَامَ اللَّهُ مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى " كَنُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ، وَصَلَاحِ الدِّينِ " وَأَتْبَاعِهِمَا؛ وَفَتَحُوا السَّوَاحِلَ مِنْ النَّصَارَى، وَمِمَّنْ كَانَ بِهَا مِنْهُمْ، وَفَتَحُوا أَيْضًا أَرْضَ مِصْرَ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَاتَّفَقُوا هُمْ وَالنَّصَارَى، فَجَاهَدَهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى فَتَحُوا الْبِلَادَ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّارِيخِ انْتَشَرَتْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ.
ثُمَّ إنَّ التَّتَارَ مَا دَخَلُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ وَقَتَلُوا خَلِيفَةَ بَغْدَادَ وَغَيْرَهُ مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ لَا بِمُعَاوَنَتِهِمْ وَمُؤَازَرَتِهِمْ؛ فَإِنَّ مُنَجِّمَ هُولَاكُو الَّذِي كَانَ وَزِيرَهُمْ وَهُوَ " النُّصَيْرُ الطُّوسِيُّ " كَانَ وَزِيرًا لَهُمْ بِالْأَلْمُوتِ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِقَتْلِ الْخَلِيفَةِ وَبِوِلَايَةِ هَؤُلَاءِ.
وَلَهُمْ " أَلْقَابٌ " مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ تَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْمَلَاحِدَةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْقَرَامِطَةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْبَاطِنِيَّةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْإِسْمَاعِيلِيَّة " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " النُّصَيْرِيَّةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الخرمية "، وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْمُحَرِّمَةَ " وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ مِنْهَا مَا يَعُمُّهُمْ، وَمِنْهَا مَا يَخُصُّ بَعْضَ أَصْنَافِهِمْ، كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ وَلِبَعْضِهِمْ اسْمٌ يَخُصُّهُ إمَّا لِنَسَبٍ، وَإِمَّا لِمَذْهَبٍ، وَإِمَّا لِبَلَدٍ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَشَرْحُ مَقَاصِدِهِمْ يَطُولُ، وَهُمْ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ: ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمْ الرَّفْضُ، وَبَاطِنُهُ الْكُفْرُ الْمَحْضُ. وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ؛ لَا بِنُوحٍ، وَلَا إبْرَاهِيمَ، وَلَا مُوسَى، وَلَا عِيسَى وَلَا مُحَمَّدٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، لَا التَّوْرَاةِ، وَلَا الْإِنْجِيلِ، وَلَا الْقُرْآنِ. وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا خَلَقَهُ وَلَا بِأَنَّ لَهُ دِينًا أَمَرَ بِهِ، وَلَا أَنَّ لَهُ دَارًا يَجْزِي النَّاسَ فِيهَا عَلَى أَعْمَالِهِمْ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ.
وَهُمْ تَارَةً يَبْنُونَ قَوْلَهُمْ عَلَى مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ الطَّبِيعِيِّينَ أَوْ الْإِلَهِيِّينَ، وَتَارَةً يَبْنُونَهُ عَلَى قَوْلِ الْمَجُوسِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النُّورَ، وَيَضُمُّونَ إلَى ذَلِكَ الرَّفْضَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute