للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَ عَلَى مُلْكِ جِنْكِيزْ خَانْ، فَمَنْ دَخَلَ فِي طَاعَتِهِمْ جَعَلُوهُ وَلِيًّا لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَمَنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ جَعَلُوهُ عَدُوًّا لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُقَاتِلُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يَضَعُونَ الْجِزْيَةَ، وَالصَّغَارَ، بَلْ غَايَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مِنْ أَكَابِرِ أُمَرَائِهِمْ وَوُزَرَائِهِمْ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ عِنْدَهُمْ، كَمَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.

كَمَا قَالَ أَكْبَرُ مُقَدَّمِيهِمْ الَّذِينَ قَدِمُوا إلَى الشَّامِ، وَهُوَ يُخَاطِبُ رُسُلَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِمْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ فَقَالَ: هَذَانِ آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ جَاءَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدٌ، وَجِنْكِيزْ خَانْ، فَهَذَا غَايَةُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ أَكْبَرُ مُقَدَّمِيهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَكْرَمِ الْخَلْقِ عَلَيْهِ، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ، وَخَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ، وَبَيْنَ مَلِكٍ كَافِرٍ مُشْرِكٍ مِنْ أَعْظَمِ الْمُشْرِكِينَ، كُفْرًا وَفَسَادًا وَعُدْوَانًا مِنْ جِنْسِ بُخْتِ نَصَّرَ وَأَمْثَالِهِ.

وَذَلِكَ أَنَّ اعْتِقَادَ هَؤُلَاءِ التَّتَارِ كَانَ فِي جِنْكِيزْ خَانْ عَظِيمًا فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ مِنْ جِنْسِ مَا يَعْتَقِدُهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ، وَيَقُولُونَ: إنَّ الشَّمْسَ حَبَّلَتْ أُمَّهُ، وَأَنَّهَا كَانَتْ فِي خَيْمَةٍ فَنَزَلَتْ الشَّمْسُ مِنْ كُوَّةِ الْخَيْمَةِ فَدَخَلَتْ فِيهَا حَتَّى حَبِلَتْ، وَمَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ ذِي دِينٍ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ.

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَلَدُ زِنًا، وَأَنَّ أُمَّهُ زَنَتْ فَكَتَمَتْ زِنَاهَا، وَأَخْفَتْ هَذَا حَتَّى تَدْفَعَ عَنْهَا مَعَرَّةَ الزِّنَا، وَهُمْ مَعَ هَذَا يَجْعَلُونَهُ أَعْظَمَ رَسُولٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي تَعْظِيمِ مَا سَنَّهُ لَهُمْ، وَشَرَعَهُ بِظَنِّهِ، وَهُوَ حَتَّى يَقُولُوا لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَالِ هَذَا رِزْقُ جِنْكِيزْ خَانْ، وَيَشْكُرُونَهُ عَلَى أَكْلِهِمْ وَشُرْبِهِمْ، وَهُمْ يَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ مَنْ عَادَى مَا سَنَّهُ لَهُمْ هَذَا الْكَافِرُ الْمَلْعُونُ الْمُعَادِي لِلَّهِ وَلِأَنْبِيَائِهِ وَرَسُولِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.

فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ كَانَ غَايَتُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَجْعَلَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةِ هَذَا الْمَلْعُونِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ " مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ " كَانَ أَقَلَّ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا، وَادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكُ مُحَمَّدٍ فِي الرِّسَالَةِ، وَبِهَذَا اسْتَحَلَّ الصَّحَابَةُ قِتَالَهُ، وَقِتَالَ أَصْحَابِهِ الْمُرْتَدِّينَ، فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ فِيمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ يَجْعَلُ مُحَمَّدًا كَجِنْكِيزْ خَانْ، وَإِلَّا فَهُمْ مَعَ إظْهَارِهِمْ لِلْإِسْلَامِ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ " جِنْكِيزْ خَانْ " عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُتَّبِعَةِ لِشَرِيعَةِ الْقُرْآنِ وَلَا يُقَاتِلُونَ أُولَئِكَ الْمُتَّبِعِينَ لِمَا سَنَّهُ " جِنْكِيزْ خَانْ " كَمَا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ أَعْظَمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>