للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُكْرَهًا مَعَهُمْ وَإِذَا هَرَبَ أَحَدُهُمْ هَلْ يُتَّبَعُ أَمْ لَا؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قِتَالُ التَّتَارِ الَّذِينَ قَدِمُوا إلَى بِلَادِ الشَّامِ وَاجِبٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: ٣٩] وَالدِّينُ هُوَ الطَّاعَةُ، فَإِذَا كَانَ بَعْضُ الدِّينِ لِلَّهِ وَبَعْضُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَجَبَ الْقِتَالُ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨] {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩] .

وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الطَّائِفِ لَمَّا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَالْتَزَمُوا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، لَكِنْ امْتَنَعُوا مِنْ تَرْكِ الرِّبَا فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُمْ مُحَارِبُونَ لَهُ وَلِرَسُولِهِ إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ الرِّبَا، وَالرِّبَا هُوَ آخِرُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مَالٌ يُؤْخَذُ بِرِضَا صَاحِبِهِ، فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ مُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يَجِبُ جِهَادُهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَكْثَرَهَا كَالتَّتَارِ.

وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُمْتَنِعَةَ إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهَا إذَا تَكَلَّمُوا بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَامْتَنَعُوا عَنْ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، أَوْ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ حَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، أَوْ عَنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَوْ عَنْ تَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ، أَوْ الْخَمْرِ، أَوْ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، أَوْ عَنْ اسْتِحْلَالِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ الرِّبَا، أَوْ الْمَيْسِرِ، أَوْ الْجِهَادِ لِلْكُفَّارِ، أَوْ عَنْ ضَرْبِهِمْ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا نَاظَرَ أَبَا بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ لَا أُقَاتِلُ مَنْ تَرَكَ الْحُقُوقَ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ كَالزَّكَاةِ.

وَقَالَ لَهُ: فَإِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّهَا وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>