الْمُكْرَهُ فَقَالَ: يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» . فَإِذَا كَانَ الْعَذَابُ الَّذِي يُنْزِلُهُ اللَّهُ بِالْجَيْشِ الَّذِي يَغْزُو الْمُسْلِمِينَ يُنْزِلُهُ بِالْمُكْرَهِ، فَكَيْفَ بِالْعَذَابِ الَّذِي يُعَذِّبُهُمْ اللَّهُ بِهِ أَوْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: ٥٢] .
وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْمُكْرَهَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَى التَّمْيِيزِ فَإِذَا قَتَلْنَاهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ كُنَّا فِي ذَلِكَ مَأْجُورِينَ وَمَعْذُورِينَ وَكَانُوا هُمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، فَمَنْ كَانَ مُكْرَهًا لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ عَلَى نِيَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا قُتِلَ لِأَجْلِ قِيَامِ الدِّينِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ قَتْلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا إذَا هَرَبَ أَحَدُهُمْ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ قِتَالَهُمْ بِمَنْزِلَةِ قِتَالِ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَهَؤُلَاءِ إذَا كَانَ لَهُمْ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ فَهَلْ يَجُوزُ اتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ وَالْإِجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ مَشْهُورَيْنِ، فَقِيلَ: لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُنَادِيَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَادَى يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَقِيلَ: بَلْ يُفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْجَمَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ وَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقِتَالِ دَفْعَهُمْ، فَلَمَّا انْدَفَعُوا لَمْ يَكُنْ إلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِ الصَّائِلِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ كَانَ أَمْرُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَمَنْ جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ جَعَلَ فِيهِمْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ.
وَالصَّوَابُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ جِنْسِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ، وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَأَهْلِ الطَّائِفِ، وَالْحَرَمِيَّةِ، وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ قُوتِلُوا عَلَى مَا خَرَجُوا عَنْهُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا مَوْضِعٌ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنِّفِينَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ جَعَلُوا قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَقِتَالَ الْخَوَارِجِ، وَقِتَالَ عَلِيٍّ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقِتَالَهُ لِمُعَاوِيَةَ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَفَرَّعُوا مَسَائِلَ ذَلِكَ تَفْرِيعَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute