للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ خَفِيَتْ حِكْمَةُ تَحْرِيمِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِمَا، فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَهُمْ الصَّحَابَةُ الْأَكَابِرُ، كَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِمَا، بِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرِبَا الْفَضْلِ.

وَأَمَّا الْغَرَرُ، فَإِنَّهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الْمَعْدُومُ، كَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَاللَّبَنُ، وَالْمَعْجُوزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ: كَالْآبِقِ، وَالْمَجْهُولِ الْمُطْلَقِ، أَوْ الْمُعَيَّنِ الْمَجْهُولِ جِنْسُهُ، أَوْ قَدْرُهُ كَقَوْلِهِ: بِعْتُك عَبْدًا، أَوْ بِعْتُك مَا فِي بَيْتِي، أَوْ بِعْتُك عَبِيدِي.

أَمَّا الْمُعَيَّنُ الْمَعْلُومُ جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ الْمَجْهُولُ نَوْعُهُ أَوْ صِفَتُهُ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُك الثَّوْبَ الَّذِي فِي كُمِّي، أَوْ الْعَبْدَ الَّذِي أَمْلِكُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ يُلْتَفَتُ إلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَايِبَةِ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ:

إحْدَاهُنَّ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِحَالٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدِ.

وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَكَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى رَوَى عَنْ أَحْمَدَ لَا خِيَارَ لَهُ.

وَالثَّالِثَةُ: وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالصِّفَةِ وَلَا يَصِحُّ بِدُونِهَا، كَالْمُطْلَقِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَفْسَدَةُ الْغَرَرِ أَقَلُّ مِنْ الرِّبَا، فَكَذَلِكَ رُخِّصَ فِيمَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ، فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ كَوْنِهِ غَرَرًا، مِثْلُ: بَيْعِ الْعَقَارِ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ دَوَاخِلُ الْحِيطَانِ وَالْأَسَاسِ، وَمِثْلُ بَيْعِ الْحَيَوَانِ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ الْحَمْلِ وَاللَّبَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْحَمْلِ مُفْرَدًا، وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَمِثْلُ بَيْعِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، وَذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَجْزَاءُ الَّتِي يَكْمُلُ بِهَا الصَّلَاحُ لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ.

وَجُوِّزَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ثَمَرَتَهَا، فَيَكُونُ قَدْ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ لِلْأَصْلِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ ضِمْنًا وَتَبَعًا مَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ،

وَلَمَّا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْعَرَايَا أُرْخِصَ فِي بَيْعِهَا بِالْخَرْصِ، وَلَمْ يُجَوَّزْ الْفَاضِلُ الْمُتَيَقَّنُ، بَلْ صَوْغُ الْمُسَاوَاةِ بِالْخَرْصِ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>