للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا اشْتَرَى أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ مُثْمِرٌ، لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ جَازَ دُخُولُ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ مَعَهَا تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الثَّمَرُ وَالزَّرْعُ، فَاشْتَرَى الْأَرْضَ لِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُهُ فِي ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَقَاثِي وَالْمَبَاطِخِ إنَّمَا هُوَ الْخَضْرَاوَاتُ دُونَ الْأُصُولِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا إلَّا قِيَمٌ يَسِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِصَّةِ، وَقَدْ خَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ فِيهَا وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: كَمَا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُغَيَّبَاتِ بِنَاءً عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَفِي بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ عَلَى الْمَنْعِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَهُ، فَإِذَا صَحَّحْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ، فَهَذَا هُوَ الْغَائِبُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا كَمَذْهَبِ مَالِكٍ إلْحَاقًا لَهَا بِلُبِّ الْجَوْزِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْخِبْرَةِ يَسْتَدِلُّونَ بِرُؤْيَةِ وَرَقِ هَذِهِ الْمَدْفُونَاتِ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَجْوَدَ مِمَّا يَعْلَمُ الْعَبْدُ بِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ، وَالْمَرْجِعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَى الصَّالِحِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ، وَهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، كَمَا يُعْرَفُ غَيْرُهَا مِمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وَأَوْلَى.

الثَّانِي:

أَنَّ هَذَا مِمَّا تَمَسُّ حَاجَةُ النَّاسِ إلَى بَيْعِهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُبَعْ حَتَّى قُلِعَ حَصَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ مُبَاشَرَةُ الْقَلْعِ وَالِاسْتِنَابَةِ فِيهِ، وَإِنْ قَطَعُوهُ جُمْلَةً فَسَدَ بِالْقَلْعِ، فَبَقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ كَبَقَاءِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَنَحْوِهِمَا فِي قِشْرِهِ الْأَخْضَرِ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ يُجَوِّزُونَ الْعَرَايَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ لِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ، أَوْ الْبَائِعُ إلَى أَكْلِ التَّمْرِ، فَحَاجَةُ الْبَائِعِ هُنَا أَوْكَدُ بِكَثِيرٍ

، وَسَنُقَرِّرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ

، وَجَوَازُ بَيْعِ الْمَقَاثِي بَاطِنِهَا وَظَاهِرِهَا وَإِنْ اشْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى بَيْعِ مَعْدُومٍ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا، كَمَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِ نَخْلَةٍ، أَوْ شَجَرَةٍ أَنْ يُبَاعَ جَمِيعُ ثَمَرِهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَمْ يَصْلُحْ بَعْدُ.

وَغَايَةُ مَا اعْتَذَرُوا بِهِ عَنْ خُرُوجِ هَذَا مِنْ الْقِيَاسِ أَنْ قَالُوا إنَّهُ لَا يَكُنْ أَفْرَادُ الْبَيْعِ لِذَلِكَ مِنْ نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ الْبُسْرَةَ بِالْعَقْدِ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>